بقلم غالب قنديل

الوحش الأميركي نمر من ورق إذا توافرت الإرادة

غالب قنديل

رسالتنا الى جميع اللبنانيين: لا تخافوا التهديدات ولا العقوبات الأميركية المكرّسة لكسر الإرادة اللبنانية في مجابهة العربدة الصهيونية، وليس المطلوب من اللبنانيين لمجابهة التهديدات إلا أن يتحدّوا ويتضامنوا دفاعا عن استقلالهم وإرادتهم الوطنية.

 

أولا: العقوبات الأميركية في جميع أنحاء العالم هي أداة استعمارية لإخضاع الدول والشعوب الحرّة، ولكسر إرادة الاستقلال والتحرّر في أي رقعة على سطح الكرة الأرضية. وقدّمت التجارب على مرّ الزمن أمثولة يجب أن ندركها كبلد مستهدف، وهي أنه حيث تتوافر إرادة المقاومة والصمود والاستقلال، ويتأمّن التضامن الوطني والشعبي حولها، تتحول الولايات الإمبراطورية الأميركية وأي دولة استعمارية غربية أخرى الى نمر من ورق، كما قال الزعيم الصيني ومؤسس الصين العظمى الراحل ماوتسي تونغ.

ما يكشف حقيقة الخداع الأميركي هو التماسك الوطني والإرادة الشعبية الواحدة، والتمسّك بالاستقلال والتحرّر من الهيمنة، وكل خيار آخر، ينطوي على مساومة، لن يحقق المصالح الوطنية. هذا درس تاريخي قدّمته جميع تجارب الشعوب الحرّة في القرن العشرين والعقود القليلة التي انقضت من القرن الجديد. وهذه الحقيقة هي الدرس الثمين، الذي تثبته تجربة الصين العظمى، القوة التاريخية الصاعدة، بعدما عانت الأمرّين على يد الاحتلال الأجنبي والهيمنة الاستعمارية، والحروب التي دامت عقودا وسُفكت فيها دماء غزيرة، الى أن ظهرت نواة الصين الجديدة مع المقاومة، التي قادتها القوى الصينية التحرّرية. وهذا هو نموذج المسار، الذي ينتظر جميع القوميات والشعوب، التي تناضل ضد الهيمنة والنهب في العالم.

ثانيا: إن معركة التحرّر من الهيمنة، التي نخوضها في الشرق العربي، تمثّل التحدّي المصيري لأمتنا ولبلداننا، ويتوقف عليها مستقبل الأجيال في هذا الشرق. فاللصوصية الغربية التي تنشب أظافرها في ثروات الأمة العربية، وتملي الشروط على بلداننا، وتفرض القيود المانعة للتنمية الاقتصادية الحرة، هي القيد والخطر الوجودي، الذي يكبّل مستقبل الشباب العربي، ومن غير كسر تلك الهيمنة واقتلاعها ستبقى الثروات منهوبة، وستدوم عملية النهب الشرس للأسواق، التي يقودها الغرب بواسطة عملائه أو مباشرة. ولذلك يكمن التحدي المركزي والمصيري في منطقتنا بالتحرّر من الهيمنة الاستعمارية الصهيونية. فذلك وحده طريق التقدم والتطور والبناء الوطني الحضاري باستثمار الثروات الوطنية، التي هي اليوم منهوبة، يتحكّم بها اللصوص الأجانب وعملاؤهم بكل صفاقة ونذالة.

ليس قدرنا أن نبقى خاضعين لهذه السيطرة الاستعمارية. وقد أكدت تجربتنا في لبنان في مقاومة الاحتلال الصهيوني، الذي كان قوة قاهرة، دعمها الغرب الاستعماري بكل إمكاناته، وأسقطناها بالإرادة الشعبية وبالتضحيات، التي بذلها أبناء شعبنا الأحرار وأبطال المقاومة من جميع الأحزاب والفصائل الوطنية، التي خرجت تحارب من أجل تحرير الوطن، وقدّمت الدماء والشهداء من سائر المشارب الوطنية والعقائدية. واليوم لا يليق بالوطن المحرّر أن يركع أمام إرادة المستعمر. ونقول بكل صراحة إن القوى السياسية اللبنانية التي تجاهر برفض الإذعان للهيمنة الصهيونية والأميركية، مدعوة، الآن وفورا، الى بناء جبهة وطنية متّحدة دفاعا عن الوطن. فالمعركة ضد الهيمنة الأميركية هي معركة استقلال وتحرّر. وإعادة بناء بلدنا وإنهاضه اقتصاديا تستدعي توحيد صفوف الشعب، وبلورة الإرادة الوطنية الاستقلالية في جبهة وطنية، تضم سائر الأحزاب والقوى السياسية، التي تلتقي على هدف التحرّر. وينبغي أن يحفظ اللبنانيون درس تجربتهم في السنوات الأخيرة، وما اختبروه في العلاقة مع الغرب اللصوصي الساعي الى الهيمنة على الثروات والأسواق.

ثالثا: إن طريق التحرّر والكرامة الوطنية هو طريق المقاومة، التي لا بديل عنها. فالاستقلال الناجز عن الهيمنة الغربية هو شرط البناء الوطني الاقتصادي والسياسي. وبكل وضوح، لا بديل عن هذا الخيار، فلبنان عاش عقودا في مسايرة الهيمنة الغربية، ومحاولة تلمّس وهم الاستقلال في ظل هذه الهيمنة. واليوم حانت ساعة الحقيقة بعد ما حلّ ببلدنا من خراب ودمار اقتصادي، لا يمكن الخروج منه إلا بخيارات تحرّرية جذرية، تتيح إعادة البناء الوطني على أسس جديدة.

الدراسة العلمية لواقعنا الاقتصادي ولتجربتنا ومآلاتها الكارثية تقودنا الى ضرورة تبنّي برنامج جذري لإعادة البناء الوطني، ينهض بالقطاعات المنتجة للثروة على أنقاض القطاعات الهامشية والطفيلية، التي تضخّمت وباتت الوحش الذي أكل كل الفرص ودمّر الإنتاج. وها نحن اليوم على حافة انهيار خطير، وشبح المجاعة ليس خطرا مبالغا به، فهو المآل الحقيقي لأزمات نضوب الثروة وخراب الإنتاج، التي عاشتها بلدان أخرى. ولبنان اليوم ليس بعيدا عن هذا التوصيف بعد خراب القطاعات المنتجة، وفي ظل المديونية المرتفعة والشحّ المالي الخطير، حيث تغدو الفاقة خطرا جديا محدقا بغالبية شعبنا، وتعيش سائر القطاعات أزمات اختناق حقيقية، وتتراجع فرص الحصول على المزيد من المساعدات والقروض، بعدما تحوّل الدين العام الى ورم سرطاني يتهدّد جميع وجوه الحياة.

إن طريق التحرّر والبناء الوطني هو الاستحقاق الذي لا يؤجل، وهي المهمة التي يُفترض أن تتلاقى في جبهة وطنية سائر القوى الحيّة لإنجازها من خلال ترميم موارد الثروة وفروع الانتاج. وهذا أمر يتخطى حدود النقاشات الهامشية في السياسة اليومية ومخاض الحكومات، وهنا يتقرّر مصير البلد وأهله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى