بقلم غالب قنديل

عفن النظام والتفاهة السياسية

غالب قنديل

يعيش اللبنانيون حالة مرعبة من القلق والخوف في جميع المجالات. صحيا تداهم الأوبئة الخطيرة والمميتة أيامنا وتكافح وزارة الصحة بإمكانات شبه معدومة، بينما الاستهتار الشعبي والمجتمعي سيد الموقف، ورفع العتب هو خلاصة السلوكيات الرسمية القاصرة والمقصّرة.

أولا: لا يحقّ لأي كان اتهامنا بالمبالغة، ونريد أن يقترح المعترضون علينا توصيفا واقعيا وموضوعيا وغير متجنٍ لتلف المساعدات المخزّنة منذ شهر، والممنوعة عن المواطنين مع الوقاحة الاستثنائية التي ميزت التبريرات الرسمية، و”التشوّف” الذي تعامل فيه بعض المسؤولين على طريقة “شحاذ ومشارط“.

كثيرة هي التصرفات الرسمية المخجلة، التي لا تليق بمن يحترمون بلدهم وشعبهم ويقدّرون ظروف الكارثة، التي يتخبّط فيها البلد بعد الانهيار الاقتصادي والمالي، الذي يشترك في المسؤولية عنه الطاقم الحاكم بمجمله وبجميع كتله منذ الطائف. ولا مجال لسبب تخفيفي يعفي أحدا من المسؤولية إلا من كانوا عَلناً في موقع الاعتراض على النهج الريعي الباذخ، الذي حكم البلد مع الحقبة الحريرية، وأعدم فرص البناء الوطني الإنتاجي لصالح تبذير الريوع وأموال المساعدات، ليوقع البلد في أخطر تفليسة شهدتها دول العالم، ولم يقع مثيل لها على وجه الكرة الأرضية حتى الآن.

ثانيا: إن الأزمة الخطيرة التي يتخبّط فيها لبنان تملي على كلّ من يتولّى مسؤولية عامة أن يخجل من نفسه قليلا، فيبتعد عن البذخ في سلوكه الشخصي وفي أدائه الوزاري أو الإداري، وأن يحترم آلام الناس المفجوعين، فلا يتجاهلها أو يتعامل معها بـ”تمسحة” استفزازية وبلغة مغترِبة عن وجع الفقراء والمنكوبين، الذين صاروا غالبية الشعب اللبناني بلا منازع.

وبكلّ بساطة نقول، إن بعض المسؤولين، وكذلك بعض الساسة و”المثقفين”، الذين يجترّون خطبا ناقدة واعتراضية وتحريضية، ولا يملكون أي مصداقية، بل هم يجترون الكلام عن وجع الناس لخدمة أغراضهم وأهدافهم الدنيئة، وأحيانا لتمرير صفقاتهم وخياراتهم السياسية، هم كانوا وما يزالون في خنادق السماسرة الذين سبّبوا الكارثة، وهذا وصف ينطبق على معظم مَن تعاقبوا على الحكومات والحقائب والصفقات منذ العهد الإعماري، الذي أعقب حرب السنتين، وكذلك خلال الأعوام الأخيرة، التي تلت التحرير وخروج الجيش السوري من لبنان.

ثالثا: وحدهم من حظوا بشرف المصداقية هم معارضو العهد الإعماري بعد الحرب، ومعارضو نادي الصفقات والسمسرات، الذي أقامه أتباع الغرب وعملاؤه وأعداء المقاومة والتحرّر خلال السنوات الأخيرة.

إن رهط السماسرة والجواسيس، الذي تحكّم بلبنان وبشعبه ونهب خيراته، معروف بأسمائه وبصفقاته وبارتباطاته وتحالفاته الداخلية والخارجية، ولا مجال لأحد من هؤلاء أن يختبيء اليوم ويخفي وجهه بأكمامه، أو يتوارى خلف علاقات يسعى اليها للتبرّؤ والاغتسال من الإثم مع المقاومة البريئة وحدها من هذه المَنهَبة. وينبغي القول صونا للحقيقة وللحق، إن محاولة البعض تعميم لغة “الجميع متورّط”، تقوم على التلفيق والدجل والتعمية المقصودة لتجهيل الفاعل. فالمَنهَبة التي حكمت لبنان، كان عصبَها أصحابُ المشروع الإعماري المرتبطون بالغرب، ودعاة الخضوع للهيمنة والإذعان للمشيئة الأميركية، وهم كانوا دائما خصوم المقاومة وتآمروا عليها، ولا يمكن بأي مقياس أو معيار أن يستوي الوطني والخائن في حساب الشعوب والقوى الحرّة، خصوصا وأن هؤلاء الذين شفطوا خيرات البلد وأوصلوه الى حالة يُرثى لها هم أنفسهم الذي عادوا المقاومة في انطلاقتها وتمسّحوا بأذيالها بعد انتصارها وبعدما أثخنوها بالجراج نتيجة تآمرهم وطعناتهم وسفالاتهم. ومنطق الغفران في الحياة الوطنية، حرصا على وحدة اللبنانيين والتئام الجراح، التي يتحمّل هؤلاء العملاء والمشبوهون مسؤوليتها، لا تعني أبدا حذف تلك الصفحة المشؤومة من الذاكرة الوطنية، وبالذات في زمن الانهيار يستحق القول الصريح من كان وطنيا معاديا للهيمنة، ومن كان مشبوها ومتخاذلا في موقفه من الاحتلال.

إن الظروف الصعبة أوجب للتذكير بالفرز الحقيقي، الذي حصل في المواجهة مع العدو الصهيوني وكذلك مع العدو الإرهابي لننعش الذاكرة في مجابهة الانهيار الاقتصادي والمعيشي، ولنميّز القوى الحية، التي أثبتت أنها جديرة بالمسؤولية وبالثقة.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى