بقلم غالب قنديل

معركة التفاوض غير المباشر مع العدو

غالب قنديل

تنتشر تحليلات وسيناريوهات عديدة تشترك في توقعات قاتمة وسوداوية حول الوضع الاقتصادي الذي يزداد سوءا وتدهورا، وتنحسر حواشي التفاؤل المزعوم في حدود التلاعب الهامشي بأسعار الصرف وخارج نطاق المشاكل الجوهرية التي يعاني منها لبنان، بما في ذلك بعض التفاؤل الكذاب، الذي يبثّه حزب الصلح مع العدو في لعبة جُرِّبت سابقا وافتُضح أمرها مع جميع الاتفاقات الخيانية، التي “قطفها” العدو الصهيوني مع أكثر من دولة عربية تحت الرعاية الأميركية، وتركت للعواصم العربية خيبات لا تُحصى ولا تُعدّ.

 

أولا: إن التفاوض غير المباشر الذي يخوضه لبنان يرتبط بتوازن قوى يضمن المصالح اللبنانية، فالمقاومة وقدراتها الرادعة توفّر قوة لا يُستهان بها، يهابها العدو ولا يستطيع تجاوزها، وهي القوة الحامية لحقوق لبنان، والقادرة على تدفيع الكيان الصهيوني ثمن أيّ عدوان أو انتهاك يمسّ بالسيادة أو المصالح اللبنانية.

وضمن هذا الإطار يجري التفاوض اللبناني غير المباشر مع الكيان الصهيوني حول الترسيم الحدودي مع فلسطين المحتلة في ظل معادلة الرّدع التي يحتفظ فيها لبنان باليد العليا وبالقوة المؤهلة لفرض الاعتراف بحقوقه، وحيث تمتلك إرادة صلبة وقوة مجرّبة خبرها العدو طيلة السنوات الماضية. فلبنان في موقع الإملاء على الصهاينة وليس في موقع استجداء الحقوق التي يغتصبونها وينكرونها، وهذا بالذات ما يجعل القدرة اللبنانية على انتزاع الحقوق وتحرير الأراضي المحتلة أمرا قائما ومستمرا، حيث يعرف العدو كلفة العدوان، ومهما عربد وهدّد، فستبقى تصرفاته ظواهر كلامية فارغة أمام ما تمتلكه المقاومة من قدرات مجرّبة، تفرض على الصهاينة إجراء حساب الكلفة في كل مرّة يحاولون فيها تحدّي المعادلات القاهرة.

ثانيا: تبرهن المقاومة مجددا على أن ما راكمته من قوة وإمكانات مكرّسة لحماية لبنان ومصالحه الحيوية الاقتصادية والاستراتيجية. وفي زمن المأزق الاقتصادي تكتسب مخزونات الطاقة أهمية استثنائية، ولا بدّ من الانتباه الى أن المقاومة تحمي تلك الثروة وتفرض على العدو حساب الكلفة إن هو تطاول عليها. المقاومة بذلك تحمي المصالح الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية القريبة والبعيدة، وهي تؤهل لبنان ليكون في عداد دول الحوض المتوسط الغنية بالثروة النفطية خلال السنوات المقبلة، وهذا أمر يُفترض باللبنانيين، من دون استثناء، أن يعترفوا به لحزب الله، فهو حامي الحقوق الوطنية والسيادة الوطنية، وهو القوة التي ستنتزع من عيون الصهاينة حقوقا لبنانية قيد الاغتصاب لولا المقاومة. وحجم الثروة التي تتحدث عنها التوقعات الواردة في تقارير الخبراء عن بلوكات النفط والغاز العائدة للبنان، يعطي للتفاوض الجاري أهمية استراتيجية، تصبح مضاعفة وشديدة التأثير في ظروف الانهيار الاقتصادي، وأمام حجم الديون التي يئن لبنان تحت وطأتها، وهذا ما يعني أن تحرير ثروة لبنان سيكون عملا تاريخيا نوعيا في الظروف الحاضرة على الصعيدين الاقتصادي والمالي.

يعود الفضل في تحصيل الكثير من حقوق لبنان وأراضيه للمقاومة، التي تبيّن بعد التحرير أنها تمثل قوة حماية وضمانة لفرض الاعتراف بحقوق لبنان، وهو ما يجعلها في الظروف الحاضرة قوة الدفاع وحماية السيادة وقوة إنقاذ اقتصادي أيضا.

ثالثا: يستدعي الدفاع عن المصالح اللبنانية تحصين الموقف الوطني والالتفاف حول المقاومة وسدّ جميع الأبواق والثغرات التي يحاول العدو النفاذ منها، وإخراس سائر الأبواق المشبوهة التي تطل بنغماتها النشاز بين الحين والآخر، وتنتهز حرية التعبير لتسيء الى الموقف الوطني وتفتح ثغرة في الجدار اللبناني لا ينفذ منها إلا الصهاينة. وهذه الأبواق تتعيّش على أزمات الداخل الكثيرة والمحتدمة، لتخترق اللحمة الوطنية وتروّج للعلاقة مع العدو، وهذا فعل خياني، لا ينبغي، ولا يمكن السكوت عنه. وبكل أسف فإن أصحاب تلك النشازات يمارسون ابتزازا في الحياة الوطنية ضد جميع اللبنانيين ومصالحهم.

في ظروف المعركة التفاوضية كالتي يخوضها لبنان يمثّل التماسك الوطني عنصر قوة لجميع الدول التي تحترم نفسها وتضحيات شعوبها، ولا يمكن التخلّي عنه بأي ثمن، والتضامن الوطني في الدفاع عن الحقوق الوطنية هو أوجب الموجبات وأول الأولويات، ومن هنا نعتبر أي تفريط بالتماسك الوطني فعل خيانة. وفي هذا المجال نلفت الانتباه الى محاولات خبيثة ومريبة لاختراق الموقف اللبناني بمناكفات قذرة تحرف الانتباه عن أولويات المعركة الوطنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى