بقلم غالب قنديل

العلاقة مع سورية ضرورة لا بدّ منها

غالب قنديل

يتحاشى الطيف السياسي اللبناني بمجمله، بما فيه حلفاء المقاومة وسورية اشتراط تثبيت العلاقات اللبنانية – السورية وتطويرها كبند في جداول الأعمال اللبنانية. بل إن هذه العلاقة، على كثرة تشعباتها وتداعياتها، تبدو في الخطب السياسية اللبنانية نسيا منسيّا، ما خلا أحقاد الزمر الرجعية المعلومة، التي تسترضي الغرب والصهاينة بالعداء لسورية.

 

أولا: من المؤسف أن يتغاضى أيّ فريق وطني عن هذه المسألة، ويراعي خواطر أطراف تكشّر كل يوم عن أنيابها، وتمارس تعبئة ملؤها السفالة والكراهية في غرس العداوة لسورية، ولخطّها الوطني التحرّري المقاوم، ولدورها في المواجهة المفتوحة مع الهيمنة الأمريكية – الصهيونية، التي دفع لبنان غاليا ثمن ضغوطها وخططها، وما أثارته في المنطقة من حروب وفتن.

إن قوى المقاومة وحلفها الوطني تقوم بواجبها في اتخاذ مواقف واضحة بالمفرد، بل إن حزب الله ما زال منذ سنوات، يقدّم الشهداء في معارك الدفاع عن الشقيقة سورية ونهجها المقاوم وموقعها في الصراع ضدّ الحلف الاستعماري الصهيوني وعصابات التكفير. ومثله بعض القوى الوطنية التي يستدعي الإنصاف أن نسجّل لها أدوارا لا تُنسى في الدفاع عن القلعة السورية، وخصوصا الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي قدّم الشهداء والتضحيات في سورية.

ثانيا: ليس منطقيا أبدا أن تغيب مفردات الشراكة اللبنانية – السورية عن الأدبيات السياسية اللبنانية في كلّ ما يتصل بما هو مشترك بين البلدين، وهذا أمر مشين أن يتحاشاه بعض القادة والأحزاب، وأن يتخاذلوا في فرضه على جدول الأعمال اللبناني كهمّ مشترك، لا مجال للتملّص منه.

فأي جدول أعمال لبناني في الشؤون السياسية والدفاعية والاقتصادية يفرض بالضرورة بنودا مشتركة مع الشقيقة سورية، والتعامل في العلاقة اللبنانية – السورية بمنطق تهريب الاتصالات الثنائية مع دمشق، التي تواظب عليها بعض الأطراف بعيدا عن الأضواء وكأنها أمر لا تجرؤ على المجاهرة به ألعام الرأي العام أو تخجل من الكلام عنه في العلن. ونحن نعلم أن كثيرا من القيادات اللبنانية تمدّ خطوط اتصال وثيقة بدمشق، وتحجم عن تبنّي خطابٍ بمستوى الشجاعة المطلوبة لبناء رأي عام لبناني مؤمن بالعلاقة اللبنانية – السورية وبمستقبلها كواحد من شروط نهوض لبنان بعد هذا الزلزال.

ثالثا: معلوم جيدا حجم الشراكات السياسية والميدانية التي أقامها الوطنيون الصادقون، وخصوصا حزب الله والسوري القومي الاجتماعي مع سورية، التي يقاتلون دفاعا عنها، وبذلوا دماء غالية من مناضليهم في سبيل ذلك خلال معركة التصدّي لغزوة التكفير الإرهابي، التي اجتاحت سورية ولبنان معا.

إن الشراكة اللبنانية – السورية التي تعمّدت بالدماء تستنهض تفكيرا جديدا، تتردّد بعض الجهات الوطنية في تبنّيه والمبادرة الى طرحة في التداول والنقاش على الصعيد الوطني، والبحث الجدي في مستقبل العلاقات المصيرية بين البلدين، والتي تتخطّى إطار الشراكة الواجبة في المعركة ضد الإرهاب التكفيري أو في مجابهة العدوانية الصهيونية وخطط الهيمنة الاستعمارية على الشرق العربي. فلبنان وسورية يجابهان التحديات ذاتها، ولا مفرّ من الكفاح المشترك دفاعا عن الاستقلال والسيادة. ونقول أكثر إن بإمكان سورية التطلّع الى نهوضها الاقتصادي ومستقبلها كقوة شرقية صاعدة بمعزل عن احتمالات الشراكة اللبنانية، ولبنان هو الأحوج لتلك الشراكة في جميع المجالات، ويمثّل تكامله مع الشقيقة سورية قوةً مضافة لمزاياه العديدة، وجملة من الفرص النادرة إقليميا، التي إن لم يلتقطها سيستأثر بها لاعبون آخرون. فكيف إذا كان العدو الصهيوني يبني طموحاته الإقليمية في الشرق وفي البلاد العربية على شطب الدورين السوري واللبناني؟!.

رابعا: إن من أوجب الموجبات، وبالحساب اللبناني الضيّق والمفرد، امتلاك الحكومة اللبنانية، أيّ حكومة، تصورا عمليا لكيفية تطوير العلاقات اللبنانية – السورية في جميع المجالات، والخروج من وطأة الضغوط الأميركية – الصهيونية المانعة للتقارب بين البلدين، والتحرّر من حقول الألغام والكراهيّة التي يحرسها بعض الإعلام اللبناني بأجور مدفوعة من أجل التخريب الاستباقي لأي شراكة لبنانية – سورية مثمرة، عبر اعتراضها بحواجز الكراهيّة والأحقاد العمياء.

هذه المسألة تمثّل قضية جوهرية بمنطق المصالح اللبنانية، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي، حيث تتوافر فرص نادرة لشراكات استراتيجية مفيدة للبلدين، يمكن بها مجابهة التحدّيات، والتعويل عليها هو أحد الجسور الكبرى الحاملة لأي نهضة اقتصادية لبنانية، ولدور لبنان الاقتصادي في المنطقة. وكل إهمال لهذه الأمور هو جريمة بحقّ البلدين وبحقّ اللبنانيين، أدركوا أم لم يدركوا، فهم من سيدفع ثمن أيّ إهمال لمستقبل العلاقة اللبنانية – السورية وتغييبه عن الأولويات.

تتحكم العقلية السلبية بمراكمة المشاكل المنسوبة الى العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين في تكوين جداول الأعمال ومحاور العلاقة بينهما، ولكن دروس التاريخ تقول لنا إن العلاقة بين أي بلدين متجاورين كسورية ولبنان تتطلّب جهدا خاصا، يضعها في مقدمة الأولويات لأنها الضلع الحامل للمصالح المشتركة، بسلبياتها وإيجابياتها، فهي تنعكس نوعيا على ملفي الاستقرار السياسي والنهوض الاقتصادي. والشراكة بين البلدان المتجاورة هي الحقيقة التي أبرزها القرن العشرون في جميع القارات، فماذا عن بلدين شقيقين يشتركان في اللغة والتاريخ وفي صراع المصير ضدّ العدو نفسه، الذي يتربص بأمنهما  وتطلعاتهما الاقتصادية والحضارية والثقافية. سورية ولبنان محكومان بشراكة وجودية، لا بدّ من التطلّع اليها ومجابهة ما يعترضها بشجاعة وجرأة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى