بقلم غالب قنديل

لبنان وإيران آفاق التعاون والشراكة

غالب قنديل

تمثّل إيران قوة إقليمية لا يُستهان بوزنها، وهي سياسيا واقتصاديا قوة صاعدة في المنطقة والعالم، لا يمكن لأيٍّ كان التنكّر لتعاظمها وتأثيرها، ولا لحجم مقدراتها المهيأة مع تساقط العقوبات والحصار كبير ونوعي ودخول مرحلة تاريخية جديدة تجعل منها قطبا اقتصاديا وحضاريا متعدِّد المزايا والكفاءات في جميع مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا الحديثة. وهذه القدرات النوعية النامية تتصرف بها قيادة تعتبر لبنان بلدا شقيقا تلتزم بدعمه ومساندته وتقديم العون الممكن لنهوضه ورخائه. وهذا ما يمثّل في ظرف الانهيار الكبير الذي يجتازه لبنان سانحة تاريخية لا تُعوّض.

 

أولا: تُعرِض الحكومات اللبنانية المتعاقبة، وتحت ضغط النفوذ الأمريكي والغربي والرجعي العربي، عن طرق باب طهران للبحث في تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية. وإذا كانت في العقود الماضية ذريعة العقوبات الأميركية هي مرجعية الموقف اللبناني الناتج عن التبعية العمياء للغرب فإن بداية سقوط منظومة العقوبات على إيران تفترض إعادة مناقشة الموضوع بمنظور المصالح اللبنانية الوطنية مع بلد شقيق، لن يبخل ولم يبخل، في مدّ يد المساعدة من موقع الشراكة الأخوية في صلب خيار المقاومة والتحرّر والتصدّي للعدوانية الصهيونية، التي تمثل خطرا مشتركا على إيران والمنطقة العربية.

إن الشراكة العربية – الإيرانية، وبالذات الإيرانية – السورية – اللبنانية في مقاومة العدوانية الصهيونية شكّلت خلال العقود الماضية حجر الزاوية الأساس في اعتراض الغزوة الصهيونية للمنطقة العربية وكسر أطماعها ورهاناتها، وشكّلت تضحيات الجمهورية الإسلامية منذ انتصار الثورة رافعة تاريخية للمقاومة ولنزعة التحرّر والاستقلال في المنطقة العربية. وهذا ما أسس لميثاق شراكة أكدتها الأحداث وعمّدتها التضحيات في مجابهة الغزوة الصهيونية، وفي التصدّي المتواصل لغزوة التكفير الإرهابي، التي دعمها الغرب وراهن عليها، وساهمت إيران في كسرها وإفشالها مع فصائل المقاومة العربية، بالشراكة مع الشقيقة سورية.

ثانيا: إن إيران هي شريك طبيعي للبنان ولسورية معا في التطلّع الى شرق جديد أقوى من المشيئة الاستعمارية ومحاولاتها لتدعيم هيمنتها المتهالكة على منطقتنا. وأي دراسة علمية لظروف هذه المنطقة وما تواجه من تحديات اقتصادية وسياسية تقود القارئ الموضوعي الى الإقرار بأن إيران هي الحليف الطبيعي لأي تطلّع استقلالي تحرري في الشرق، وأنها تمثّل السند الذي لا غنى عنه في إعادة بناء ما دمّرته الحروب والغزوات الاستعمارية الصهيونية وترميم ما صدّعته الفتن ومعارك الاقتتال التي لم يكن الغرب بعيدا عنها في كلّ مكان من المنطقة.

إن المصلحة المصيرية الراهنة في مجابهة الهيمنة تجعل التحالف مع إيران سبيلا لفرض توازنٍ يحصّن المصالح العربية، وبالذات اللبنانية، في وجه البطش الغربي وأطماع الهيمنة اللصوصية، التي لم تتخل عنها دول الغرب ليوم واحد في رؤيتها لمستقبل العلاقة مع دولنا. ومَن يُرِد استقلالا حقيقيا تحميه معادلات القوة والقدرة وتنميةً حقيقية تُعيد بناء الثروة الوطنية في أيٍّ من البلدان العربية، وبالأخص لبنان وسورية، عليه أن يلتفت الى جسر مشرقي، قام منذ انتصار الثورة الإيرانية بين طهران ودمشق، وشكّل حضنا استراتيجيا لحركات التحرّر وسندا لا غنى عنه لحركات المقاومة.

ثالثا: إن الدور الإيراني هو ثقل نوعي في مجابهة التكالب الاستعماري وفي وجه أطماع الهيمنة الغربية. ومَن يبحث في هذا الشرق عن فضاء الاستقلال والتحرّر عليه أن يتطلّع أولا الى فرص الشراكة مع إيران القوة المستقلة الصاعدة، التي تؤهلها إمكاناتها لامتلاك قدرات جبّارة تفتح الكثير من الفرض أمام بلداننا المهشّمة في شراكات إخوة لم تبخل فيها إيران بمدّ يد المساعدة والتضامن في أصعب الظروف.

فقد قدّمت إيران للمقاومة اللبنانية ولسورية دعما كبيرا، وكانت خير شريك في بناء منظومة المقاومة الإقليمية وقدراتها التحريرية وردعها للعدوان، الذي عززته المعادلات وجسور الشراكة بين سورية وإيران وحزب الله وسائر القوى الوطنية المقاومة. وهذه النواة هي الجبهة التي يجب أن تتنكب مسؤولية النهوض الى ميادين التعبئة الشعبية والعمل السياسي لترجيح كفّة برنامجٍ وخطةِ عملٍ تحرّرية، فيها خلاص لبنان ومناعته وتعزيز قدرته في وجه العدوان الصهيوني، وفي مجابهة جميع الأخطار. وهذه القدرة الحيّة ينبغي منع تآكلها في سأم تحويل الآمال والأحلام النهضوية للناس الى دورة انتظار مضجّرة بلا أفق.

إن مسؤولية القوى الوطنية اللبنانية، وبالذات شركاء المقاومة، حركة أمل وحزب الله وسائر القوى الوطنية بجميع عقائدها، هي إحياء فكرة التحرّر وإعادة البناء الوطني بنبض المقاومة ووهجها، بدلا من الاسترسال في نزعة التكيّف الروتيني البليد والغبي مع معادلات ليست سوى حالة من الجماد، التي تجترّ ما سبق من معادلات تقاسم السلطة والمكاسب، دون أن تمثّل أي خطوة الى الأمام في رصيد البلد وشعبه المتعطّش الى بارقة أمل أبعد من جميع خطب المحاصصة، وإعادة إنتاج نظام التقاسم الطائفي والتبعية للغرب، الذي ولّى زمانه تاريخيا وبات بحاجة لمن يكتب بيان نعيه وشهادة ولادة لتركيبة جديدة تحمل الطموحات والأحلام الحقيقية للأجيال. ومن خارج اجترار أدبيات الـ”أنجزة” والتغريب العاهرة التي يجري تلميعها في كثير من المصنّفات السياسية الرائجة، وهي تافهة كأصحابها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى