بقلم غالب قنديل

نحو شراكة لبنانية – سورية – إيرانية

غالب قنديل

لا يجوز أن تبقى العلاقات اللبنانية – السورية ضمن حدودها الراهنة، التي رسمها الضغط الأميركي – الغربي المانع لتجسيد مفهوم العلاقة المميزة، الذي توافق عليه البلدان من خلال المؤسسات الدستورية. ومنذ تاريخ التوقيع على المعاهدة اللبنانية – السورية، التي عطّلتها ضغوط الغرب وحالت دون تجسيدها على الصعيد الاقتصادي، وفي مختلف ميادين التعاون الثنائي الممكن خشية تعزيز قوة وقدرات محور المقاومة بتكامل البلدين الشقيقين.

 

أولا: إن أحدا في المنطقة والعالم لم يقدّم ذريعة واحدة منطقية أو مفهومة تبرّر القطيعة والتباعد بين لبنان وسورية. ورغم كل الثرثرة بعد الطائف عن العلاقات المميزة فإن ما واكب الضجيج لم يحقق شراكات فعلية بين البلدين بمستوى ما طمح اليه المخلصون من البلدين. وقد فوّت ذلك على لبنان كما على سورية فرصة ثمينة لبناء قاعدة اقتصادية صلبة لتكتّل البلدين وتحولهما الى قوة اقتصادية فاعلة إقليميا.

لسنا في وارد مناقشة مثالب الأداء السوري واللبناني المسؤول عن إضاعة فرصة ثمينة لنشوء تكتل إقليمي صلب ونوعي، يدمج الطاقات والإمكانات في منظومة قوة اقتصادية وسياسية كانت مرشحة للتحوّل الى قطب لا يمكن تخطيه في المنطقة برمتها، لكنّ الظرف الراهن يطرح، بالضرورة، موضوع العلاقات بين البلدين في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة والضاغطة بقوة في لبنان، وأمام الفرص الكبرى التي يتيحها تكامل الطاقات والإمكانات عبر الحدود في البلدين.

ثانيا: إن معالجة العلاقة اللبنانية – السورية بطريقة جديدة وبعقلية رؤيوية ومستقبلية هي ضرورة وطنية ملحة في البلدين، وبصورة أخصّ في لبنان، الذي يعيش في جحيم انهيار شامل رغم كل الدجل والعنجهية والمكابرة في لغة بعض اللبنانيين وعقولهم، البالغة حدّ العنصرية أحيانا، في نظرتها الى الشقيق السوري.

إن أمثولة فرنسا والمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ذهبت نموذجا في معالجة المصالح المشتركة للدول المتجاورة بحكم الجغرافيا والتاريخ. وقد شكّل التكامل الفرنسي الألماني منذ عقود العمود الفقري للشراكة الأوروبية ولمنظمة التعاون الاقتصادي، التي قامت في القارّة. وبالتالي فإن سورية ولبنان، اللذين يوحدهما الانتماء العربي، وتجمعهما مصالح مشتركة كثيرة وقرابات عائلية لا حصر لها عبر الحدود، هما بالضرورة وبالوقائع توأمان، وعليهما أن يجسّدا تلك الحقيقة في أي تطلّع مستقبلي. ولا يمكن للبلدين التنكّر للتشابكات التي لم تستطع أن تعصف بها أسوأ الأزمات والعداوات، التي ثارت وسادت خلال عقود في فضاء البلدين. وأي تطلّع مستقبلي لبناني أو سوري سيكون محكوما بقاعدة الشراكة والتعاون العابرة للحدود، والتي حُيّدت عن أي نقاش جدي في لبنان تحت إرهاب بعض القوى التابعة للغرب وللهيمنة الأميركية والمشبوكة بالخطط الغربية في المنطقة، التي تضع نصب أعينها عزل سورية ومحاولة إسقاطها، وهو ما انخرطت في بعض محاوره قوى لبنانية معروفة بتوجيه غربي.

ثالثا: إن مصالح لبنان الاقتصادية والسياسية تحتّم التطلّع الى التكامل الاقتصادي مع سورية، ولا سيما بعد الانهيار الاقتصادي الكبير الذي لحق بالنموذج الريعي التابع للغرب، والذي لم يعد قادرا على تخطّي خلله البنيوي وأزماته المتراكمة وواقعه المهلهل. فلبنان يحتاج الى حركة تغيير شامل وجذرية بنيويا على الصعيد الاقتصادي لينهض من جديد. وهذا متاح من خلال شبك الاقتصاد اللبناني وقواه الحية مع سورية في جميع القطاعات القابلة للتكامل، ولتكوين قوة إقليمية لا يُستهان بوزنها. وإذا وسّعنا أفق الرؤية الاقتصادية بما يناسب الواقع الاستراتيجي والجيوسياسي، نقول إن لبنان قادر على استثمار فرصة انتمائه الى محور المقاومة على الصعيد الاقتصادي من خلال الشراكة الواسعة والعميقة مع كل من سورية وإيران، والمساهمة في بلورة قطبية إقليمية جديدة ووازنة في الاقتصاد وفي جميع المجالات التقنية والثقافية والسياسية.

رابعا: إن أي تفكير مستقبلي على مستوى المنطقة بصورة متحرّرة من القوالب الجامدة والعداوات السقيمة يفترض من اللبنانيين أن يفكروا بعمق بمستقبل علاقتهم وشراكتهم مع سورية وإيران. وهذان البلدان الشقيقان مرشّحان لتكوين قطب إقليمي مشرقي لا يُستهان بوزنه الاقتصادي والسياسي وبفاعليته الاستراتيجية على مستوى المنطقة وتوازناتها ومستقبلها السياسي والاقتصادي.

إنّ مَن يفكر برؤيوية متوسطة المدى يرَ أن لبنان قادر على مراكمة عناصر ومقومات لدور إقليمي ولنهوض اقتصادي وازدهار حقيقي من خلال التكامل مع سورية وإيران. وهذا يتطلب توفير مستلزمات، لا بدّ منها، في الاقتصاد وفي السياسة وفي الثقافة، بما يسمح لنا كبلد أن نوظّف المزايا التفاضلية، التي نملكها كشعب وكوطن مع دولتين شريكتين، قدّمتا تضحيات جليلة في مساندة المقاومة اللبنانية وفي تحرير أرضنا من الاحتلال الصهيوني، وكذلك في معركة الدفاع عن المنطقة العربية في مجابهة غزوة الإرهاب والتكفير. ومن يتنكّر لهذه الحقيقة هم فقط عملاء الغرب، الذين ليسوا سوى أبواق ساهمت في توفير الغطاء لوحوش الإرهاب ولعملاء الصهيونية بكل صراحة، ولا مسايرة في هذه الحقائق، التي خبرها اللبنانيون بدمائهم وأرواح أعزائهم.

إن أفقا جديدا وواعدا يمكن أن ينهض من ركام الأحلام، ولكنّ الأمر وقف على تبلور الوعي والإرادة. وهذا هو التحدّي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى