بقلم غالب قنديل

حزب الله ومسؤولياته الوطنية

غالب قنديل

إن حجم الدور الوطني الكبير الذي يقوم به حزب الله من خلال ما أنشأه من وقائع جديدة، وما راكمه من إنجازات، يجعل منه محطَّ  رهان اللبنانيين في حسابات الحماية الوطنية، وكذلك في ريادة التغيير المنشود في ظروف حياة البلد ومعيشة أبنائه. وهذا هو القدر الصعب المرصود لحزب الله كقوة سياسية صانعة للتوازنات، ولقائده سماحة السيد حسن نصر الله كرمز للمقاومة التي حرّرت، ووفّرت الحماية من ويلات التكفير والفتن القاتلة والجوالة على امتداد سنوات. ومن هذا الموقع بات في ذهن الناس العاديين اسم القائد السيد حسن نصر الله مرتبطا بالأمان والثقة والقدرة على مجابهة الصعوبات.

 

أولا: المعضلات التي تعيشها البلاد متشعبة ومتشابكة، وتجعل الأنظار في كل يوم تتجه صوب حزب الله وقيادته وأمينه العام في السؤال عن المخارج والحلول والآمال. والتساؤل هنا بات عابرا للطوائف وللمناطق عن مواقف وأفكار البطل الشعبي المضحّي، الذي أثبت بالتجربة حكمته وجدارته القيادية وقدرته على تحقيق الإنجازات التي عجز عنها الآخرون، وكفاءته في انتزاع الثقة وشبك التحالفات ولمّ الصفوف بعيدا عن الانقسامات والعصبيات، التي تمزّق اللبنانيين وتفرّقهم. وبمثل ما كانت المقاومة التي قادها حزب الله قوة خلاصية في الحياة الوطنية، جمعت ما راكمه النضال الوطني لحركة أمل ولسائر الأحزاب الوطنية، وحقّقت بالتراكم المنهجي المدروس والواعي انقلابا تاريخيا، من خلال صنع أعظم انتصار، وأول انتصار من نوعه في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، بل في تاريخ الحروب الشعبية التحرّرية التي سطّرها التاريخ المعاصر.

إن حجم ثقة الناس بقدرة حزب الله وبإمكاناته الفعلية، التي تؤهله لتغيير المعادلات ولابتكار الحلول والمخارج من الأزمات، يجعل الناس يتطلعون الى هذه القوة كلما اشتدّ ضيقهم وارتفع منسوب قلقهم الوجودي، الذي يزداد توتّرا، ويطال شتى وجوه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

ثانيا: تشترك سائر القوى السياسية الوطنية في مسؤولية التصدّي للواقع الراهن، ولا نعني بما تقدم تحميل حزب الله منفردا مسؤولية البحث عن الحلول وتغيير المعادلات، بما يفرض شقّ طريق جديد في الواقع اللبناني، يفضي الى وقف المعاناة ووضع حدّ للأزمات المتناسلة، التي تكاد تشمل شتى وجوه حياة اللبنانيين اليومية، وتقضّ مضاجعهم بقلق مخيف على المستقبل والخشية من انقلابات كبرى، يصعب التكيّف معها لشدة صعوبتها. فالهواجس اللبنانية المعيشية والحياتية كثيرة وشائكة ومقلقة، والناس مضطرون، بدافع من ثقتهم، وفي ضوء دروس التجربة، الى التساؤل عن الوصفة، التي يعدّها حزب الله وحلفاؤه في التعامل مع التحديات الجديدة والصعبة، التي تطال بصورة خاصة شؤون الاقتصاد والمجتمع، ولا يمكن لتجاهلها أو تجاوزها أن يحدّ من وطأتها وتأثيرها على ظروف عيش اللبنانيين. وهذا ما يضاعف من الأعباء والمسؤوليات ،التي تحملها قيادة حزب الله ومعها سائر الجهات والقوى والفاعليات الوطنية، التي يَنتظر منها الناس مبادرات وطنية شامل في مستوى التحديات الحاضرة.

ثالثا: إن الظرف الراهن يتطلّب مباشرة النقاش والتحرّك داخل أوسع طيف وطني ممكن عابر للطوائف وللمذاهب وللمناطق، ومن غير قيود أو عوائق لبلورة مشروع برنامج للخلاص الوطني، يمكن النضال لشقّ الطريق تحت رايته، لمسيرة خلاص وطني تختلف واقعيا وعمليا وسياسيا عن كلّ ما سبق من مراحل النضال الوطني. ولعلها بكل وضوح المرحلة الأخطر والأهم من النضال الوطني اللبناني لأنها تتوّج كلّ ما سبقها، وتحمل رصيدا ضخما من التضحيات والآمال الى مفترق يتطلب كثيرا من الوضوح الرؤيوي، الذي يتخطّى حدود ما ألفناه في الإدارة اليومية لفصول النضال الوطني السابقة.

ما يحتاجه الوطن اليوم هو حركة رؤيوية قادرة على بلورة مخطط وطني شامل للخلاص الجذري اقتصاديا واجتماعيا، يوضع في إطار صياغة سياسية انتقالية، تُحشد تحت رايتها جبهة شعبية ما أمكن، واسعة ما أمكن، قادرة على تعديل التوازنات. واقتراحنا للقيادات الوطنية أن يُصار الى تشاور سريع، يبلور مشروع البرنامج ونواة جبهة الخلاص، التي يجب أن تنطلق بمن حضر من القوى المهيأة للمشاركة، لتطلق مسارا جديدا في الحياة الوطنية والعمل الوطني. وغير ذلك لن يفيد إلّا بإطالة أمد المراوحة في المكان وعلك المراحل دون تغيير يُذكر. فالانتقال الى وضع جديد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا والتصدّي للتحديات الكبرى المتزايدة يستدعي المبادرة الملحّة الآن، وفورا.

رابعا: لسنا في هذه الدعوة مستعجلين للتخلّي عن الأشكال الراهنة من العمل الوطني، بل إن بالإمكان مواصلة العمل من خلالها، الى جانب مشروع بناء جبهة للتغيير، يفكّر بها جميع الحالمين بمحاكاة الشروط الواجب توافرُها للإنقاذ الوطني الجذري.

بالنظر لموقعه القيادي الحاسم والمقرّر في الحياة الوطنية، يتطلع الناس الى حزب الله، ويعوّلون على مبادراته لإصلاح الحياة الوطنية. وهذا ما يلقي على كاهل الحزب مسؤوليات، شاءت الأقدار له أن يتنكّبها، ويستعد لملاقاتها ويؤسس البناء الجبهوي القادر على تحقيق الخلاص الوطني في هذه الظروف الصعبة. وهذا قدر الحزب وقيادته ومناضليه، أيا كان حجم الجبهة الوطنية، التي سيستطيع جمعها حوله في سبيل الإنقاذ. ويقينا إن عدم نجاحه في ذلك سيعني كارثة خطيرة في واقع البلد وعيش أهله، ومن حقّ الناس أن يبنوا الآمال الخلاصية، في واقعهم السياسي والاجتماعي، على القوة التي تحدّت المستحيلات، فبادرت وحرّرت، وهي توفّر مقومات الدفاع الوطني، وتؤسس لأعراف جديدة في تاريخ الشعوب وحركات التحرّر بتضجها وبمسؤوليتها وبشجاعتها في الإقدام وخوض غمار التحديات وتقديم التضحيات بلا حساب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى