بقلم غالب قنديل

ماكرون في بيروت … كستنا بلدية !

غالب قنديل

يشعر اللبناني الطبيعي بالخجل خلف انشائيات الحفاوة والترحيب وزجليات التعلق بالأم الحنون وضجيج المطالبة بعودة الانتداب الفرنسي وما ظهر او خفي من عاهات ثقافية وسياسية تكشف الانخلاع الشامل لقطاعات من شعبنا يجتاحها فيروس ضعف الانتماء ونقص المناعة الوطنية  في ظل تعفن الصيغة السياسية الطائفية القائمة ومع شعور القوى المتجبرة لنظامنا السياسي بغصة الصمت أمام تبكيت الرئيس الزائر على تفاقم الفساد والذي انتبه لاحقا إلى ضرورة مراعاة المشاعر والكرامات التي مسها بعصا التهديد وبنبرة الأستذة فاستدرك وجادل الصحافي مالبرونو امام المراسلين في سبيل الحد من غلواء شيطنة الواقع السياسي اللبناني وتحميل خطته طابعا انقلابيا يجاري اهواء بعض الطامعين والطامحين.

 

أولا جاء ماكرون إلى السياسة من عالم المال والهندسات المالية وصفقات تسويق السندات فقد تدرج خبيرا ومديرا ناجحا وصعد بسرعة في شركة غولدمان ساكس المالية وهو خبير مالي يفهم الكثير عن عالم الأرقام والحسابات والصفقات كما يعرف الكثير عن أسواق المال وقد اصطحب معه على متن الطائرة الرئاسية رجلي أعمال من أصل لبناني وفقا لبيان صدر عن الرئاسة اللبنانية قال انهما شاركا في الاجتماعات والمباحثات التي عقدها الرئيس الفرنسي وقد ورد في البيان الرسمي الصادر عن قصر بعبدا أن “الوفد الرسمي الفرنسي الذي رافق رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون في الزيارة التي قام بها إلى بيروت ضم إلى جانب وزير الخارجية جان إيف لودريان وسفير فرنسا المعتمد في لبنان برونو فوشيه وعدد من الديبلوماسيين والبرلمانيين والمستشارين، رجلي الأعمال السيدين: سمير عساف المدير العام لمصرف الاستثمار التابع لمجموعة HSBC، ورودولف سعادة رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لمجموعة CMA CGM.المتخصصة في الشحن البحري والخدمات المرفئية“.

وتابع البيان “وقد شارك عساف وسعادة في المحادثات التي أجراها الرئيس الفرنسي في لبنان مع كبار المسؤولين إضافة إلى اللقاءات التي عقدها في قصر الصنوبر مقر السفارة الفرنسية في بيروت”.

ثانيا كان البيزنس حاضرا إذن في جداول الأعمال من غير إعلان وتصريحات او بيانات أو تسريبات ومع الصفقات المرتجاة حول المرفأ والوضع المالي للخزينة اللبنانية ومصرف لبنان التي احتلت مكانة رئيسية في حقيبة الرئيس الزائر كانت ملفات قروض سيدر تفتح على الطاولات الجانبية وفي حلقات النقاش والتفاوض بعيدا عن الأضواء مع مباشرة الرئيس العملي جدا والبراغماتي جدا في التحضير لمؤتمر دولي عاجل يجمع فيه الأموال تحت عنوان مساعدة لبنان على الخروج من الفاجعة التي ألمت به في حين أطلق تحت إشرافه ورعايته عملية تأليف الحكومة الجديدة بعد صدور مرسوم تكليف الدكتور مصطفى أديب قبل انتهاء الزيارة الرئاسية التي شغلت دقائق يومياتها جميع وسائل الإعلام في لبنان وحشد المراسلين الأجانب الذي رافقوا الزيارة الرئاسية وواكبوها وقد أطنبوا في الكلام والوصف عن خطة ماكرون لإنقاذ لبنان وعن تعهدات المسؤولين اللبنانيين بتنفيذ سلة اجراءات عاجلة بعد إقلاع الحكومة الجديدة خلال مهلة أسبوعين حددها ماكرون أيضا تحت عناوين الإصلاح بينما وعد الرئيس الفرنسي بزيارة ثالثة لتفقد النتائج لاحقا وإطلاق آلية رعاية ومتابعة سياسية ومالية وهو كلف لهذه الغاية السفير برنار ايميه بالإدارة اليومية لما يجري من تحضيرات وخطوات عبر التواصل مع الجهات الحكومية اللبنانية ليكون عينه الساهرة على الوضع اللبناني.

ثالثا هل هي وصاية فرنسية او عودة للانتداب؟ يصح الوصف بقوة لولا ان العملية مبنية على المصالحة والمساكنة مع المقاومة وما تمثله في توازن القوى المحلي والإقليمي وهذا ما نغص على الجهات المحلية المرتبطة بالغرب فرحتها بنجدة فرنسية املت ان ترجح كفتها في المعادلة اللبنانية فانكفأت عن التسوية التي رعاها الرئيس الزائر الذي حرص بشدة على اظهار الاحترام في التعامل مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة وأبدى تقديرا وتفهما لدور حزبه في الحياة الوطنية اللبنانية.

تسبب السلوك الفرنسي بخيبة واضحة لفريقين كانا مشاركين بقوة في الضغوط الانقلابية التي صاحبت الانهيار المالي في الخريف الماضي هما مجموعات “المجتمع المدني” المشبوكة بالسفارات والوكالات  الأجنبية التي توقعت ترجمة طموحها السياسي بدعم غربي بصورة تنقلها إلى الشراكة في السلطة السياسية بقوة الاندفاعة الفرنسية ومن خلال تبني ماكرون لمطالبتها بانتخابات مبكرة ومعها جناح من النظام مثلته القوات اللبنانية ومعها النواب الذي تورطوا باستقالات متسرعة برهان فرض مسار سياسي مختلف كان عنوانه ترشيح السيد نواف سلام لرئاسة الحكومة وقد رتبت زيارة ديفيد شينكر على عجل لإحتواء تلك الأضرار الجانبية وللحفاظ على احتياط المشاغبة الممكنة عند اللزوم.

ختاما ومع ما تفيض به حلقات الهمس في الصالونات السياسية وما سيظهر من ملفات على طاولات الاجتماعات بعد تشكيل الحكومة الجديدة يمكن وصف مشاعر السماسرة ورجال الأعمال في الوسط السياسي اللبناني بطرفة قديمة يتناقلها القرويون في الجنوب عن بائع دخل إلى شوارع إحدى البلدات مناديا “كستنا بلدية ” وهو يحمل سلة ملأها بالبلوط الذي قطفه من الأحراش المجاورة فخرج إليه من إحدى الشرفات شخص سأله باعلى الصوت “بكم البلوط يا عم ؟” فهرول البائع مسرعا ببضاعته وصاح بأعلى الصوت “إجا مين يعرفك يا بلوط“!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى