بقلم غالب قنديل

لبنان في حلقة الارتهان الغربي

غالب قنديل

المفترق اللبناني ليس بسيطا وسيكون على الحكومة الجديدة القادمة ان تضع خطة لإنقاذ البلاد من الكارثة الاقتصادية والمالية التي تستنزفها ويبدو واضحا ان النخب السياسية تميل بحكم تكوينها ومصالحها إلى تلمس فرص تبدو لها سانحة لمحاولة استرجاع أيام العسل مع الهيمنة الغربية.

 

 أولا بعد حصار وقطيعة اعقبتها دوامة الانهيار الكبير وبعد انفجار مرفأ بيروت طرأت حالة “هياج” عاطفي غربي دشنها الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون بزيارته التي تمت على الأرجح بالتفاهم مع الإدارة الأميركية  التي اعلنت مواقف مغايرة لما درجت عليه من التهديد والوعيد منذ إحكام عقوباتها الضارية التي كانت العامل الحاسم في توقيت الانهيار المالي والاقتصادي.

 من الفطنة التدقيق في دوافع هذا العناق الغربي وخطبه المعسولة التي تنصب على وعود المساعدة وتعكس رغبة جامحة في التدخل ورسم ملامح الحكومة الجديدة المنوي تشكيلها وتتكشف عن رغبة جامحة في خطف وجبة دسمة على ساحل المتوسط هل مقاولة إعمار ما دمره انفجار بيروت وقد بلغ الأمر حد عدم الاعتراض على تمثيل كتلة المقاومة  في تكوينها بل وإجراء اتصالات مباشرة معها باتت أبرز ما يترصده الصحافيون والمراسلون بوصفه الحدث الأهم بينما تدخل الحلبة السياسية والنيابية فصول التحضير للمشاورات النيابية التي ستسمي رئيسا جديدا للحكومة وترسم ملامح الفريق الحكومي الجديد وبرنامجه وتبدي كل من الولايات المتحدة وفرنسا رغبة واضحة بإشراك جماعات سياسية مستجدة ساهمت في تحركات الشارع منذ تشرين الأول الماضي.

ثانيا الانتقال الغربي من العقوبات القاتلة إلى الاحتواء السياسي وتقديم المساعدات تحت شعار الإغاثة بعد انفجار مرفأ بيروت يعكس قلقا جديا من احتمال اتخاذ لبنان خطوات عملية للتقارب والشراكة مع العراق وسورية وإيران وروسيا والصين التي سارعت للمشاركة في حملات الإغاثة الدولية التي تشهد ازدحاما على شاطئ بيروت في تعبير واقعي عن المنافسة الجارية على مقربة من دمشق التي تواصل صمودها وتقترب أكثر من أي وقت مضى خلال السنوات الماضية من إنجاز حاسم ينهي الحرب العالمية التي تستهدفها منذ عام 2011 وفي قاع العقل الغربي يستحضر لبنان دورا اقليميا فاعلا لإيران لا يمكن تجاهله.

حتى الساعة يحرس الغرب منظومة عقوباته المفروضة على لبنان وقد شكلت حادثة المرفأ فرصة للتواصل المباشر مع السلطات اللبنانية ولإرخاء قبضة الحصار السياسي لكن شيئا من ادوات الحصار الاقتصادي والمالي لم يتزحزح فلا الولايات المتحدة ولا فرنسا ولا أي جهة غربية اعلنت استجابتها للكارثة الاقتصادية التي تغرق لبنان بمراجعة تدابير وإجراءات قاسية ومؤذية اتخذت سابقا ضد البلد الذي تلقى على مسامع شعبه ومسؤوليه السياسيين عشرات القصائد والخطب بينما جاءت حصيلة النجدة المالية الموعودة “بنخوة” الرئيسين مانويل ماكرون ودونالد ترامب مخيبة للتوقعات المحلية وأبقي سيف صندوق النقد الدولي وشروطه هو المفتاح الموعود لتسهيل قروض جديدة.

ثالثا تلبس الموفدون الأجانب أقنعة المصلحين وحاضروا كثيرا عن مكافحة الفساد بينما لم تبلور الجهات اللبنانية تصورا وطنيا محليا لإنقاذ البلاد وهي تراوح في مداولات ومشاورات ويشغل بال معظمها تسقط المعلومات عن التوجهات الغربية واحتمالات التشكيلة الحكومية الجديدة واسم رئيس الحكومة العتيد وحيث يرجح الإعلام اللبناني ان تكون لواشنطن وباريس كلمة فاصلة في ترجيح الخيارات.

هي مفارقة عجيبة وغير منطقية في نظر الكثير من المراقبين ان يكون هذا هو الحال في البلد الذي يشغل بال المخططين الغربيين كونه موطن المقاومة الرائدة في دحر الاحتلال الصهيوني والذي فرض انتصاره  معادلات هي سر هذا الاهتمام المفرط الذي تحركه تحذيرات جيفري فيلتمان قبل أشهر من خطر تحول لبنان وانتقاله من المعسكر الغربي إلى بؤرة نفوذ سياسي واقتصادي لكل من سورية وإيران والعراق والصين وروسيا التي اتخذت حكوماتها مواقف متضامنة بعد انفجار المرفأ ولم يلاقيها المسؤولون اللبنانيون بما تستحق في غمار ابتهاجهم بعودة الاهتمام والتواصل الغربي وثمة من يعلق بالقول إن هذه المفارقة تعكس رسوخ الارتباط بالغرب في عمق العقل السياسي اللبناني من زمن بعيد وهي تكشف صعوبة تبلور وعي جديد يلبي المصالح الوطنية التي يجسدها التوجه نحو الشرق والتحرر من الهيمنة الغربية اللصوصية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى