بقلم غالب قنديل

لبنان والتحديات والفرص

غالب قنديل

ثمة نموذج متجدد للعناق الغربي القاتل ووصفاته المسمومة مع كل منعطف جديد في مسار الانهيار اللبناني المتزايد اقتصاديا وسياسيا وقد درجت التطورات في العقود الماضية على منزلقات حافلة بالأزمات والكوارث في حين ظلت الشراكة الأميركية الصهيونية الغربية في السعي إلى إخضاع لبنان والسيطرة عليه في قلب محركات الصراعات والحروب والهزات الصغيرة والكبيرة التي ضربت البلاد وهددت استقرارها الهش سياسيا واقتصاديا وأمنيا.

 

أولا ليس لبنان جمهورية عاصية على الهيمنة ولا هو بلد متمرد يرفع راية التحرر من الاستعمار يشبه نيكاراغوا مثلا او جارته سورية لكن فيه قوة فاعلة تهدد بذلك التحول في نظر المخططين الغربيين فهو بلد حزب الله الذي قاتل الاحتلال الصهيوني بضراوة وبأس شديدين منذ عام 1982  وانتصر عليه ففرض معادلات رادعة بعد طرد الاحتلال وجلائه بالقوة القاهرة وبسيل من التضحيات والدماء وغل يد الكيان الصهيوني ويكاد المحللون الاستراتيجيون منذ حرب تموز 2006 يجزمون بان هذه القوة الشعبية المحلية المحاصرة تفوقت على حلف غربي كبير جر خلفه عددا من الحكومات العربية بينها حكومات مصر والمملكة السعودية وسائر دول الخليج وقد فرض معادلة ردع قاهرة لم تفلح في كسرها جميع المحاولات فلا نجح الغرب وأعوانه في محاصرة حزب الله بجبهة معادية في الداخل ومعادلاته ولا استطاعو تطويقه وخنقه بالحصار والعقوبات الصارمة او القاتلة كما أسموها وكما في كل مرة نجح قائد المقاومة السيد حسن نصرالله في تحويل التهديدات إلى فرص ومواصلة تكتيف القوة العسكرية الصهيونية بمعادلات الردع القاهرة.

ثانيا رغم ارتباط اطراف لبنانية عديدة بالغرب وارتهانها لمشيئته نجح حزب الله دوما في جذب شركاء الداخل إلى مراعاة قوته ومبادئه وتمسكه بموقعه الحاسم في محور المقاومة ورفضه الرضوخ للهيمنة الأميركية الصهيونية وقد أثبت دوره في التصدي للعدوان على سورية بواسطة عصابات الإرهاب التكفيري صلابة التوازنات التي ارتكز إليها وثمة تمنيات غربية متكررة في الكواليس لاسترجاع صفحات سابقة من التعاون والتنسيق مع قيادة الحزب بنيت عليها أدوار اوروبية نشطة وتشكلت شبكة خدمات سياسية وامنية قدمتها فرنسا بالذات لواشنطن ولندن وبرلين من خلال علاقات التنسيق المباشر مع قيادة المقاومة خلال العقود الماضية.

كان الدورالفرنسي يتحصن دائما في الحاجة الأميركية إلى تنظيم وساطة مستمرة بين قيادة حزب الله والحلف الأميركي الصهيوني بعد فشل اختبارات القوة بالحروب او بالجولات بين الحروب وقد شارك حلفاء الحزب ولا سيما حركة امل ومن ثم إلى جانبها التيار الوطني الحر في تحصين الثوابت الوطنية المشتركة وحماية المقاومة والتمسك بدورها ضمن منظومة حماية ودفاع تجمعها مع الجيش اللبناني.

ثالثا منذ عدوان تموز 2006 اكدت هذه المنظومة صلاحيتها وفاعليتها رغم كل ما شابها أحيانا من ضعضعة وتباينات في معيار التوازنات والمصالح المكونة للنظام اللبناني وتركيبته القلقة لكن قيادة حزب الله نجحت في بناء نسيج من التفاعل الآمن بين مجموع حلفائها رغم تراكم التعارضات والتباينات وثمة أطراف عديدة تتلاقى بصورة غير مباشرة على التحالف مع المقاومة تفرقها خلافات ومنافسات كثيرة وحادة أحيانا لولا تدخل قيادة المقاومة للموالفة بين حلفائها وذلك ما عزز مكانتها في الحياة الوطنية التي دخلت مرحلة حرجة مع تفاقم الانهيار الاقتصادي وفي ظل المراوحة المرهقة في نمط اقتصادي ريعي تابع ومريض بات يحكمه استنزاف خطير.

فرص الشراكات الدولية والإقليمية المجزية قائمة ومتوافرة بشروط مغرية وهي تتيح فرصا اكبر واهم وأرحب من استمرار التبعية الذليلة للغرب بل إن السير في خطى الشراكات الشرقية والعربية المفيدة يفرض على الغرب نفسه الرضوخ لشروط أفضل والبحث الجدي في تقديم عروض مغرية بفعل الاضطرار السياسي ومع إغراء المكاسب الممكنة  وفي ذلك ما يفسر الحركة الفرنسية الأخيرة ولكن رغم فاعلية حزب الله وثقله المقرر في التوازن اللبناني ما تزال البلاد رهينة الحسابات والمصالح الغربية تدير ظهرها مواربة لعروض سخية قدمتها الصين وإيران وروسيا والعراق وثمة فرص متوافرة  لتراكم عليها المزيد أي حكومة لبنانية تمتلك جراة المبادرة للبحث عن شراكات ندية مفيدة فهل تبقى بيروت مكبلة ام تبادر في توقيت قادم تتحرر فيه من الارتهان الأحادي للغرب؟.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى