بقلم غالب قنديل

أذرع الهيمنة والسباق على ساحل بيروت

 

 غالب قنديل

 إنه مجددا ازدحام الموفدين والبعثات وشحنات المساعدات الإغاثية وفرق الاستخبارات الاستطلاعية وجحافل الكشافين الذين يطاردون عملاءهم ومخبريهم للحصول على معلومات جديدة بهدف تحديث مخزوناتهم السابقة عن البلد الصغير والأصعب في صراعات النفوذ العالمي على ساحل المتوسط.

 أولا يتذكر الكهول اللبنانيون مشاهد أيام الاجتياح بعد غزو 1982 وانتشار الأساطيل والقوات متعددة الجنسيات بقيادة جنرالات المارينز بينما انتشر الاحتلال الصهيوني في الجبل والجنوب  وفرضت اتفاقية السابع عشر من أيار التي أسقطتها المقاومة وبعد اندحار الاحتلال الصهيوني عام 2000  عادت واقتربت البوارج مرة أخرى وانهزمت مع الكيان الصهيوني وأطلت في عرض البحر وعلى الشواطئ تحت عباءة اليونيفيل في اعقاب حرب تموز 2006  وهزيمة المخطط الأميركي الصهيوني …تتكرر مع شيء من التعديل المشاهد نفسها  بعد مضي أربعة عشر عاما لم يعرف فيها لبنان استقرارا سياسيا وفي ظل استمرار التدخلات الغربية والصراعات السياسية الداخلية  الحادة والحصار الاقتصادي المتواصل والأزمات المتلاحقة التي واكبتها خضات أمنية وسياسية متلاحقة في ظل الحروب الكبرى التي عصفت بالمنطقة ولا سيما احتلال العراق والحرب الكونية على سورية وغزو اليمن والنزيف المتواصل على أرض فلسطين ولولا شبهات الإهمال النافرفي المرفأ والترهل الخطير في الإدارة اللبنانية عموما لكان السؤال الوجيه في تقصي الجريمة البشعة هو عن الجهة التي دبرت لحلف الناتو عملية  تمنحه فرصة العودة إلى الشاطئ اللبناني الذي طردت منه بالقوة وهربت مذعورة في الثمانينات بينما يسيل لعاب العواصم كلها على التواجد هذه المرة تحت شعارات الإغاثة والمساعدة في تجسيد دقيق لاستراتيجية التدخل “الإنساني ” التي ابتكرها المخططون الأميركيون وطبقوها في عمليات اجتياح يوغسلافيا وتفكيكها.

 ثانيا بعد الانهيار الاقتصادي والمالي والمصرفي الذي فرضته العقوبات الضارية على القطاع المصرفي اللبناني لاحت مؤشرات عديدة عن احتمال ذهاب السلطات اللبنانية في طريق التوجه شرقا وابرام شراكات واسعة وعميقة مع الصين وروسيا وإيران وكل من سورية والعراق وفجأة حلت الكارثة وانفجر مرفأ بيروت ليندلع سيل المبادرات الغربية الإغاثية وتنفتح خطوط الاتصال الغربي مع قيادة المقاومة في تعبير دقيق عن أولوية الاهتمام الغربي والأميركي بكل ما يعني إسرائيل في المنطقة وهي القاعدة الأطلسية المكبلة بقوة الردع والمطوقة بغابات الصواريخ من غزة إلى صنعاء ومن الجولان حتى الجنوب اللبناني وفي ذلك أحد ألغاز الهرولة الغربية إلى شواطئ لبنان واندلاع خطب الحنان والتعاطف الدولي مع بيروت وسكانها وهذه المرة شحنت جوا كميات من الأدوية والمواد الإسعافية الضرورية.

 ودارت الخطب الغربية عن معونة مالية قليلة لكن اللافت فيها هو التصميم على إبعاد ربع مليار دولار عن أيدي الجهات الحكومية اللبنانية الموسومة بالفساد علانية والتصميم على دفعها مباشرة للهيئات غير الحكومية التي تعاونت منذ إنشائها خلال عقود مع المانحين الغربيين وتربطها صلات وثيقة بسفارات الغرب وبشبكات المساعدة الدولية المعروفة وباتت في نسيجها شريحة مفضلة من أصدقاء الغرب في المجتمع اللبناني وهي مؤتمنة بشهادات الاستخبارات الأميركية والأوروبية العاملة في لبنان.

 ثالثا تصلح المشاهد الجارية أمام ناظرينا لتكوين سيناريو افتراضي عن تدبير غربي محكم خلف كل ما جرى منذ لحظة الانفجار المرعب حتى وصول السفير ديفيد هيل إلى العاصمة المنكوبة فقد سرع دمار المرفأ في خطوات كانت أمنيات سياسية لدول الناتو قبل سنوات بما في ذلك اجراء اتصالات واتخاذ خطوات سياسية في لبنان والتواجد على مقربة من سورية التي تعيش تطورات تقربها من الانتصار على العدوان الاستعماري الذي استهدفها قبل حوالي عشر سنوات.

 في البلدين الشقيقين سورية ولبنان شواهد مكثفة على هزائم الخطط الاستعمارية الغربية ورغم ذلك يطمح المسؤولون الأوروبيون والأميركيون إلى تعويم حضورهم بواسطة مؤتمرات للمساعدة على إعمار بيروت وتثبيت مواطئ نفوذهم  في لبنان الذي يمتاز بنخبة سياسية تقليدية جاهزة لكل انواع الارتباط والعمالة وقد هرول كبار رموزها للقاء الرئيس الفرنسي وصدموا بأن نجم اللقاء كان رئيس كتلة الوقاء للمقاومة النائب محمد رعد ويكتشف المهرولون تباعا من معلومات الكواليس ان الدبلوماسية الفرنسية حريصة على ترتيب تفاهمات ثنائية مع إيران لتنظيم حضورها المستجد في لبنان الذي يصفه السفراء الجانب بحقل الألغام. الوجبة المباشرة على الطاولة هي الحكومة اللبنانية الجديدة بعد استقالة حكومة الرئيس حسان دياب التي ترددت في التجاوب مع دعوات التوجه شرقا وأفلتت منها فرص سيكون احياء الحديث عنها أشد صعوبة مع الازدحام الذي تثيره حشود الغرب وجحافل الموفدين والعودة المرتقبة للرئيس ماكرون إلى بيروت في مئوية الكيان الذي ولد تحت الانتداب الفرنسي وما يزال في نزاع يتجدد بين المهرولين إلى السفارات ودعاة المقاومة والتحرر الذين سكبوا دماءهم في مشاعل مقاومة الاحتلال والهيمنة وكسروا الحلف الغربي الصهيوني.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى