بقلم غالب قنديل

الحملة على دياب :ممنوع النقاش مع السيد الغربي

غالب قنديل

في مناخ استقالة الوزير ناصيف حتي ظهرت عبر بعض الصحف والمنابر الإعلامية مجموعة من المقالات والمواقف التي كان اول المبادرين إليها السيد سمير جعجع عندما اتهم الرئيس حسان دياب بتخريب العلاقة اللبنانية الفرنسية والإساءة إليها لمجرد تمسكه بالدفاع عن وجهة نظر الحكومة في مجابهة اتهام الوزير لودريان لها بالتقصير رغم تعامل دياب مع الوزير الزائر بكل اللياقة المناسبة.

 

أولا ذكرت تقارير إعلامية عديدة مستقاة من مصادر غربية عشية زيارة الوزير الفرنسي ان الزيارة خضعت في جدول أعمالها ومعها مضمون الموقف الفرنسي لشروط اميركية تقتضي تشديد الضغوط السياسية والإقتصادية على لبنان وسد أي نافذة يطالب المسؤولون اللبنانيون بفتحها قبل التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي تسلم مفتاح سلة سيدر للقروض ومعها الشروط المالية والاقتصادية وفقا للطلب الأميركي الذي صادر أي هامش خاص للمساعدة الفرنسية الإنعاشية المحتملة التي ترك لها فقط تقديم مساعدة تمويلية متواضعة للمدارس الفرنكوفونية في إحياء تذكيري وغير عفوي لقواعد النفوذ الفرنسي التقليدي وفي هذا السياق انهالت خطابات الترحيب بالتحرك الفرنسي ومطالبة الحكومة اللبنانية ضمنا بالاستماع والانصات لتعليمات السيد الفرنسي الزائر وتقديم الولاء والطاعة والتعهد بالتنفيذ مع التذكير المستمر بأنها نافذة الأمل الوحيدة.

 ثانيا الواضح جدا لمن يفهم ان الرهان على مساحة استقلال فرنسي افتراضي عن الاستراتيجيات الأميركية الصهيونية في المنطقة هو رهان لا أساس فعليا له منذ العام 2003 بعد احتلال العراق وانعطافة جاك شيراك الشهيرة ورضوخ فرنسا لموجبات تحولها إلى شريك ثانوي في الخطط والمشاريع الأميركية وارتضاؤها لدور سياسي وظيفي تحت سقف التوجهات الأميركية العليا كما فعلت في حرب تموز ولهذا التحول جذوره المتشعبة اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا على الصعيد العالمي وقد جاء الدور الفرنسي في الحرب على سورية ليثبت هذه الحقيقة بقوة منذ سنوات ولا تفيد رغبات بعض الجهات اللبنانية المتمسكة بتأكيد  رهانها السياسي على “الأم الحنون” وقد فاضت تصريحاتها  وتعبيراتها في نسبة فضائل التمايز الفرنسي عن الولايات المتحدة بعاطفة تاريخية نحو لبنان ( كله او بعضه) وهو في الواقع ليس سوى الحنين الفرنسي واللبناني إلى الماضي الاستعماري فعلى امتداد العقود الماضية كانت فرنسا خاضعة للقيادة الأميركية الأطلسية التي حشدت الجهود الداعمة سياسيا وعسكريا للحروب الصهيونية على لبنان منذ العام 1982 وهي رغم تورطها في العدوان حين ميزت موقفها ولو جزئيا في الشكل كوفئت من قيادة المقاومة والقيادة السورية بدور خاص في تفاهم نيسان 1996.

ثالثا أيا كان التقييم الفعلي لجهود الحكومة اللبنانية خلال الأشهر الماضية فإن ذلك يبقى شأنا سياديا لبنانيا والنقاش حوله هو امر يخص الجهات اللبنانية المعنية والرأي العام اللبناني ومن المشين ان يصدر بعض السياسيين والإعلاميين صيحات الاستهجان لمجرد تصميم الرئيس حسان دياب على الدفاع عن حكومته ومساعيها لأحتواء ازمة خانقة فيها حصة كبيرة من المسببات التي اورثتها الضغوط والعقوبات الغربية التي تلتزم بها فرنسا وتنفذها وتخضع لموجباتها امتثالا للمشيئة الأميركية واعتبار ممارسة رئيس الحكومة لحق سيادي مشروع وحرصه على التمسك بالكرامة الوطنية طعنا للعلاقة مع دولة اجنبية منحازة للولايات المتحدة وإسرائيل في مواقفها وفي نهجها السياسي هو من ضروب العار والمذلة السياسية وليس بالتالي تفويتا لفرصة لم تظهر لا في التصريحات ولا في الكواليس أي مؤشرات جدية تدل عليها ففي الواقع لم تصدر عن الوزير الفرنسي أي بادرة بإجراء او بوعد يمكن التعويل عليه وهو جاء يذكرنا بالنفوذ الفرنسي الذي تسمح  واشنطن بالحفاظ عليه في بلدنا.

رابعا التقصير الفعلي الذي يمكن تسجيله في رصيد الحكومة وعملها وتحركاتها هو انها ابقت الأيدي الممدودة لها فعلا في الهواء بانتظار التجاوب وهي لم تقم بخطوات جدية في التعامل مع المبادرات الصينية والإيرانية والعراقية التي تلقتها ببرود وبتريث مخافة الغضب الأميركي وهذا السلوك جعل الغرب بقيادة الولايات المتحدة يتنمر في التعامل مع لبنان وهو أصلا لم يلتفت إلى ضرورة الاتصال بالحكومة وإرسال وزير الخارجية الفرنسية لولا بوادر الاتفاقات المطروحة مع دول الشرق انطلاقا من سورية وصولا إلى روسيا وليس القلق الغربي من هذا الاحتمال بعيدا عن بعض الاتصالات التي تلقاها لبنان لعرض المساعدة من قطر والكويت ويقينا إن المضي عمليا في التفاوض مع دول الشرق المستعدة وارسال وفود تباشر التفاوض العملي إلى بكين وموسكو ودمشق وطهران وبغداد والكويت سيؤمن محفظة اتفاقات وتسهيلات تنعكس مباشرة على العديد من المشاكل الضاغطة اقتصاديا ومعيشيا وسوف تفرض تعديلا في لهجة التخاطب الغربي وحرصا على التكيف الذي يبقي خطوط اتصال مفتوحة بين الغرب والسلطات اللبنانية فتلك الخطوط هي ضرورة امنية وسياسية لتل أبيب  وجرى عبرها ترتيب اتفاقات وقف النار خلال عقود وتوفير شروط ديمومته بعد هزائم الغزوات الصهيونية ونحن في قلب ذكرى عدوان تموز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى