بقلم غالب قنديل

توازن الردع والارتباك الصهيوني

غالب قنديل

يشغل التساؤل عن موعد وتفاصيل رد المقاومة على استشهاد احد مناضليها خلال غارة صهيونية على مطار دمشق جميع الدوائر السياسية والإعلامية والمتابعة بينما تتواصل تعبيرات رعب الشمال داخل الكيان الصهيوني الغارق أصلا في تداعيات سياسية واقتصادية وصحية خانقة لأزمة واضطرابات متواصلة وحيث تبدو التهديدات عالية السقف التي اجترها بنيامين نتنياهو تعبيرا عن مأزق فعلي اكثر من كونها بادرة قوة واقتدار أمام التوازنات المتحولة نتيجة وحدة العمل والتناغم المحقق في صفوف محور المقاومة على أرض سورية حيث تبلورت معادلات جديدة منذ دحر غزوة داعش الكبرى التي ادارها الأميركيون والصهاينة بالشراكة مع الحكومات العربية التابعة.

أولا تحتفظ قيادة المقاومة بزمام المبادرة وتخنق القادة الصهاينة برعب الانتظار والترقب لصفعة قادمة لا محالة من ضمن قواعد الاشتباك التي فرضتها سابقا في التعامل مع الاعتداءات الصهيونية التي تستهدف تواجدها على الأرض السورية بذريعة اعتراض جهودها الهادفة إلى امتلاك أدوات بناء ترسانة حديثة من الصواريخ الدقيقة التي يعتبرها الصهاينة تهديدا وجوديا في أي حرب قادمة ويعترفون بقدرة المقاومة حين تستخدمها على تهديد كافة المواقع والمنشآت الحساسة داخل كيان العدو.

الأكيد ان الصفعة قادمة وسرها لن يعرف قبل وقوعها لا من حيث جغرافية الهدف ولا من حيث طبيعة الاستهداف أو التوقيت وعلى العدو ان يدفع ويتحمل كلفة الانتظار “على رجل ونص” كما سبق لقائد المقاومة ان قال في جولة سابقة.

ثانيا شكل هياج الطيران الصهيوني المسير في الأجواء اللبنانية خلال اليومين الماضيين محاولة واضحة لاستكشاف طبيعة الواقع المداني وتعبيرا عن القلق والذعر الصهيونيين ومحاولة التماس مؤشرات تتيح تقدير طبيعة الرد القادم وحجمه بينما اختفت جلبة التحرك العسكري الصهيوني قرب الخط الأزرق وتحصنت قوات العدو في مخابئها وبدت بعض المواقع العسكرية المتقدمة شبه خالية كما اظهرتها صور المراسلين الملتقطة من الجانب اللبناني وهذا ما يمثل مؤشرا يؤكد حقيقة الردع الذي احدثته المقاومة في ميزان القوى العسكري مع العدو وهو ما يحمي امن لبنان وسيادته الوطنية من العربدة الصهيونية .

لاشك أن العدو الذي كثف التحرشات الكلامية والاستطلاعية يعيش أسوء أحواله في الجبهة الداخلية التي كانت نقطة ضعفه الرئيسية خلال حرب تموز كما اورد تقرير فينوغراد وهي اليوم أشد تهتكا وانقساما من أي وقت مضى في تاريخ الكيان منذ اغتصاب فلسطين وبات السلوك الاستفزازي لنتنياهو ضد محور المقاومة ملجأه الوحيد من مأزق متفاقم وهو يخوض معركة إعادة انتخاب دونالد ترامب بالتهديدات كما يسعى لترميم صورته المتهتكة داخل الكيان مع تظاهرات تدعوه يوميا للرحيل.

ثالثا من الواضح ان قيادة المقاومة تحتفظ بزمام المبادرة وبالحرص على إدارة الصراع بما يعزز التوازنات الرادعة للعدو ويفاقم مشكلاته الداخلية وهو نهج يطور من قواعد حماية لبنان وسيادته وحقوقه البرية والبحرية وهي كما أوضح نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم متمسكة بموقعها الدفاعي وبحقها في الدفاع عن لبنان ولا تسعى إلى حرب تعرف كلفتها على شعبها إن وقعت بقدر ما هي جاهزة لردع مغامرات العدو والتصدي لها وتدفيعه كلفتها ومن هذا الموقع يمكن النظر إلى ردها الواقع لا محالة في التوقيت الذي تراه مناسبا.

المفارقة المخزية هي أنه رغم الوقائع العنيدة تصمم بعض الأطراف السياسية المحلية على مواصلة شن حملات التحريض المضادة للمقاومة في هذه الظروف بتناغم مكشوف مع الحملات الأميركية والصهيونية والغربية التي تحمل المقاومة مسؤولية المأزق الاقتصادي والمالي الخطير الناتج عن الحصار الأميركي والغربي المكرس لتثبيت الهيمنة الأميركية الصهيونية في المنطقة ولمواصلة إلحاق لبنان بمنظومة الهيمنة ومنعه من اتخاذ الخيارات البديلة المتاحة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى