بقلم غالب قنديل

حرب تموز : المواجهة بين المقاومة والإمبراطورية

 

 غالب قنديل

 يغرق في قشرة الحدث من يقرأ احداث تموز 2006 بوصفها حربا بين المقاومة والكيان الصهيوني وحده وبصورة مغايرة واوضح من جميع الحروب والفصول السابقة كانت الوقائع تؤكد ان التخطيط ويوميات الإدارة العليا للحرب تتولاها الإمبراطورية الأميركية مباشرة وهي تقود منظومة الهيمنة في المنطقة ومن ضمنها وفي مقدمتها الكيان الصهيوني وقد كانت كل من دول حلف الناتو والحكومات العربية التابعة تتولى جانبا من مسؤولية حلف الحرب بالتناغم مع المايسترو الأميركي الذي كان هذه المرة ممثلا بشخص وزيرة الخارجية كونداليسا رايس التي أثارت احتجاج وزيرة خارجية العدو تسيبي ليفني على طلبها مواصلة القتال في الأيام التي سبقت إعلان وقف النار وقالت إن الجيش الصهيوني يواصل القتال لخدمة القرار الأميركي.

 أولا في الوقائع ليس من المصادفة اعلان كونداليسا رايس ان الحرب هي مخاض الشرق الأوسط الجديد الشعار والهدف الذي اختارته إدارة جورج دبليو بوش عنوانا لغزوة عسكرية استعمارية بقيادتها انطلقت باحتلال أفغانستان والعراق بقيادة أميركية مباشرة وبمساهمات عسكرية واستخباراتية حشد الأميركيون لها حلفا من عشرات الحكومات في العالم  وسخروا لتمويلها مليارات النفط العربي وليس من المصادفة ان يكون في حرب تموز احتشاد لذلك الحلف الضخم من أجهزة الاستخبارات الغربية والخليجية وطابور المؤسسات الإعلامية الخليجية والغربية الناطقة بالعربية وأكثر من عشرين قمرا صناعيا تجمعت في سماء المنطقة وركزت على متابعة ادق التفاصيل على أرض لبنان وزودت بها الطيران الحربي الصهيوني في مطارداته اليائسة لاصطياد كوادر المقاومة وقادتها وتحطيم مجمعات وأبنية ضخمة فوق رؤوس ساكنيها لمجرد الاشتباه بانتقال أي من قادة المقاومة إليها وخصوصا القائد السيد حسن نصرالله.

 ثانيا في ربيع العام 2006  رسمت خطة الحرب في البنتاغون  وجرى تكوين بنك الأهداف الذي استعرض بتفاصليه خلال زيارة إيهود أولمرت رئيس وزراء العدو إلى واشنطن في أيار من العام نفسه وكان الهدف المركزي من الحرب هو انتشال الغزوة الاستعمارية من مأزقها الذي تبدت ملامحه فشلا في العراق وأفغانستان وحرك نقاشا داخل المؤسسة الأميركية الحاكمة قاد إلى تشكيل فريق بيكر هاملتون الشهير لمراجعة الحسابات ولاستعراض أسباب الفشل الذي حكم بسقوط مشروع القرن الأميركي الذي وضعه فريق المحافظين الجدد في الإدارة الجمهورية وقد أراد المخططون الأميركيون والصهاينة بحرب تموز التخلص من المقاومة ومن معادلاتها ورد الاعتبار للقوة الصهيونية التي انهارت هيبتها وتمرغت في الوحل بعد الهروب الكبير من لبنان في الخامس والعشرين من أيار 2000 وبنوا حساباتهم على الانخراط الخليجي في الحرب من خلال مجموعة شرم الشيخ التي قادتها رايس مباشرة بينما أسندوا وظيفة الاحتواء الاحتياطي لكل من الحكومتين القطرية والتركية وبالتوازي كان حشد قوى 14 آذار في الداخل اللبناني بقيادة جيفري فيلتمان عنصرا حاسما في التخطيط والتنفيذ تؤكده أدق التفاصيل في اليوميات اللبنانية خلال حرب تموز .

 ثالثا ما تقدم من الوقائع تؤكده معطيات كثيرة وفي الخلاصة كانت الحرب فصلا حاسما في الصراع على مستقبل المنطقة بين محور المقاومة والتحرر ومحور الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية وقد ألقى كل منهما بثقله في الميدان السياسي والعسكري وكانت الهزيمة من نصيب حلف العدوان وقيادته الأميركية وهي هزيمة في جولة تسعى الإمبراطورية الأميركية لدفع معسكرها بكل قواه لاستدراكها منذ أربعة عشر عاما ولايمكن الفصل بين تلك الهزيمة والحرب العدوانية على سورية المستمرة حتى اليوم كما لا يمكن كذلك الفصل بين تلك الهزيمة وما يدعوه البعض بحرب العقوبات المالية والاقتصادية التي تستهدف إيران وسورية ولبنان وهاتان الحربان ترتبطان بالتصميم على إدامة الهيمنة في المنطقة وتدعيم منظومتها المتصدعة رغم غزوة التكفير المنكسرة في مثلث الشرق العربي : العراق وسورية ولبنان على يد محور المقاومة وهي كانت غزوة بقيادة اميركية ورغم الحرب السعودية الأميركية على اليمن الذي نهضت فيه قوة رديفة مقاتلة تستكمل جبهة الجنوب في الصراع ضد الكيان الصهيوني وجميع تلك الفصول تؤكد تراجع منظومة الهيمنة وتقدم محور المقاومة والتحرر في الشرق انطلاقا من انتصار المقاومة في حرب تموز وتعاظم قدراتها ونجاحها في بناء معادلات الردع التي نزعت زمام المبادرة من يد الكيان الاستعماري الاستيطاني الذي شكل القوة العسكرية العدوانية المتقدمة منذ اغتصاب فلسطين بل أيضا تحول المقاومة اللبنانية إلى نموذج تستلهمه وتحاكيه حركات شعبية مقاتلة في العراق واليمن.

 رابعا بين رهط العملاء والتبع وفرق المستلبين بالجبروت الأميركي يتوزع المجادلون في فكرة ان الصراع كان فعلا بين المقاومة وحلفها السوري الإيراني وبين الإمبراطورية الأميركية ومعسكرها الغربي والكيان الصهيوني والأنظمة العربية التابعة وبالتالي عدم التسليم بحقيقة أن هذه المقاومة انتصرت على فصل من فصول الغزوة الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة وهي تواصل الصراع على الجبهات السياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والأمنية منذ يوم 12 تموز وهم يريدون بإنكارهم التقليل من قوة الروح المعنوية للمقاومة ونزعتها التحررية ويريدون طمس التناقض الرئيسي بين بلداننا وشعبنا ومنظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية الذي يمثل محور الصراعات والتحالفات ومحرك التناقضات في المنطقة العربية.

 إن المستهدف إعلاميا وثقافيا هو ثقة الشعب بقدرات المقاومة ونهجها وبفعلها الواقعي على صعيد إلحاق الهزيمة بجبروت الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي رغم التفاوت الرهيب في القدرات والإمكانات وتلك الثقة هي خميرة الوعي التحرري التي تتركز جهود جبارة لإفسادها ولإبطال مفعولها الاستنهاضي العظيم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى