بقلم غالب قنديل

سورية قلب الشرق ومنها البداية والختام

غالب قنديل

قيل الكثير عبر التاريخ عن مكانة سورية ودورها المحوري الحاسم في معادلات الصراع الكبرى عالميا وإقليميا وما جرى في السنوات العشرين الأخيرة يؤكد صحة هذه النظرة التاريخية إلى سورية ومكانتها كمركز تربطه علاقات وثيقة بمحيطه القريب والبعيد وهو في مكانة القلب الذي يضخ إرادة الحياة والتحرر وسط عالم مضطرب تعصف به حروب الهيمنة والنهب اللصوصي التي يقودها القراصنة الأميركيون والصهاينة وطابور من العملاء والملحقات الذليلة التابعة.

أولا لأننا من لبنان ونعيش في قدر الجغرافيا يدعونا التاريخ إلى الانتباه بعناية لأهمية مكانة سورية ودورها وحتى الحاقدون بيننا الذين اختاروا مخاصمتها نتيجة ارتباطهم بالأجنبي ورهانهم على هيمنته الآفلة جعلوا منها محور خياراتهم رغم انوفهم واعترفوا ضمنا بجبرية التعامل مع الحقيقة السورية المركزية في هذا الشرق التي هي اليوم حقيقة صمود أسطوري في مجابهة حرب عالمية ألحقت سورية في سياقها خيبة ثقيلة بالإمبراطورية الأميركية وحلفها الأطلسي وقاعدتها الصهيونية المدججة نوويا وتقود سورية بذلك تحولا عالميا على انقاض القطبية الأحادية فمنها نهض المارد الروسي على ساحل المتوسط وفيها تكون تكتل الشرق المقاوم وتمازجت دماء المقاومين من لبنان واليمن وفلسطين والعراق وإيران وروسيا الذين حاربوا معا ودحروا جحافل التكفير الداعشية والقاعدية وهي فرق اميركية صهيونية للحروب تم تمويلها بالنفط العربي المنهوب وجرت تنشئتها في المعسكرات التركية الأطلسية بإشراف أميركي مباشر.

ثانيا يبدو الكلام الاقتصادي والجغرافي عن ترابط الشرق ساذجا بلا روح حين يعزل عن ملحمة تكون إرادة التحرر والتغيير الكبير للخرائط والتوازنات وهي سر استهداف سورية والقائد بشار الأسد على الدوام مع كل موجة جديدة من خطط الهيمنة والنهب والتقاسم الاستعماري الغربي فسورية هي قلعة المقاومة والتحرر بموقف شعبها وبخياره الحر عبر التاريخ وهي في خيار قائدها ووعيه ومشروعه التاريخي لبناء الشرق الجديد عبر تشبيك المصالح الكبرى وبناء تكتل  عالمي قادر على فرض توازنات جديدة وتحدي الغطرسة الاستعمارية ومنع تنفيذ خطط الهيمنة اللصوصية.

دشن القائد الأسد بتحالفاته في مجابهة العدوان على سورية عملية نسج تكتل متشابك المصالح موحد الاتجاه واتاح للحلفاء والشركاء الذين تمازجت دماء قادتهم وأبطالهم في معارك الدفاع عن سورية أن يفكروا معا بمستقبل واحد وان يخططوا معا كفريق واحد وكانت الديناميكية السورية هي محفز الموالفة والحث على الشراكة وتجاوز العقبات والتباينات وهذا ما تقوله العلاقة الوثيقة الروسية الإيرانية التي قطعت شوطا متقدما من التعاون والشراكة في شتى المجالات وهو فعليا ما تقوله العلاقة الصينية الإيرانية بما فيها من تناغم شرقي أصيل.

ثالثا في إحدى اللقاءات قبل سنوات شرح الرئيس بشار الأسد امام وفد  ضم كتابا وإعلاميين قراءته في التقارب القيمي والأخلاقي الذي يمثل احد وجوه الانتماء الحضاري لتكتل قوى الشرق الصاعدة التي تمتاز بأنها لا تمثل طموحات للهيمنة والاستتباع بل تقيم علاقاتها على أساس التطلعات المشتركة واحترام الندية والتكافؤ والشراكة واحترام القيم الوطنية والمصالح الوطنية لكل بلد وشرح من معين التجربة السورية كيف يراعي الأشقاء الإيرانيون أدق التفاصيل في الشكل والمضمون وكيف يراعي الحلفاء الروس في تعاملهم هذه الأبعاد ويحترمونها على النقيض  من الروايات الغربية السخيفة التي جرى تعميمها للإساءة إلى الدور الروسي واهدافه التي هي ذاتها الأهداف السورية الوطنية واوضح كيف كانت في كل مرحلة تقرر الأولويات بناء على الرؤية السورية والخطة السورية وحين يتبدى تباين في التقدير وبعد النقاش والحوار كانت الكلمة الروسية تأتي غالبا لترجح الخيار السوري انطلاقا من احترام الخصوصية وتقدير خبرة أهل الأرض وعندما تكون المشورة الروسية مناسبة ومقنعة كانت القيادة السورية تختارها دون تردد وتسير في اتباعها ويومها سخر الرئيس بشار الأسد من المنطق المعادي الذي يسقط نماذج الإذعان المذل داخل محور الهيمنة الغربية حيث يصدر الأميركي الأوامر ويتخذ القرارات وعلى النقيض من ذلك  في محور التحرر والمقاومة تقوم علاقات الشراكة والمشورة الشرقية بالاحترام المتبادل وبتقدير الكرامة الراسخة في قيم الشرق واخلاقياته.

رابعا في هذا المعجن السوري نهضت روح الشرق بألوانها الزاهية المتعددة عربية صينية إيرانية روسية وما حققه تمازج الأرواح التي بذلها محاربونا الأشداء ضد الغزاة والإرهابيين يمثل إرادة خلق لعالم جديد منتج ومتحرر من أي هيمنة وبالتأكيد لن يكون البناء الجديد سهلا لكنه ليس مستحيلا وبالقدرات العظيمة الكامنة سيولد الشرق الجديد ويضخ قلبه الدماء وإرادة الحياة في العروق اليابسة.

كلمة أخيرة لا بد منها لمن يلزم في لبنان والعراق والأردن فالبدء والخاتمة من سورية وقدر التاريخ والجغرافية حاكم وحاسم لا مفر منه فقد جرت دماء عزيزة على أرض سورية وتغلغلت في التراب دفاعا عن الشرق كله في مجابهة الغزوة الاستعمارية الصهيونية الرجعية وما بذله السوريون من التضحيات كان ضخما وعظيما وجليلا وبمثل العرفان السوري لرفاق السلاح من الأشقاء واخوة الشرق  يحفظ المقاومون وهج الدماء والتضحيات السورية المؤسسة للشرق الجديد وبالتالي لا مجال للتشبيك الشرقي دون دمشق القلب النابض والروح التحررية الصانعة لكل التغييرات الكبرى.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى