بقلم غالب قنديل

الغوغاء ضد التوجه شرقا

 

 

غالب قنديل

 

منذ خطاب قائد المقاومة الشهير عن خيار التوجه شرقا لكسر الحصار الأميركي والغربي على لبنان وبالذات بعد تبلغ الحكومة لكتابي الاهتمام الموجهين من المؤسسات الصينية بخصوص اتفاقات تعاون وشراكة تطال مشاريع حيوية في البنية التحتية تعد اولويات لبنانية في مجال الطاقة والنقل الداخلي انطلقت حملات تحريض وتضليل متعددة الوسائط لحظر التفكيروالتفاعل مع منطق علمي وواقعي ولتسخيف الأفكار المتداولة بهدف ترسيخ الاعتقاد بجبرية الاستسلام للقدر الأميركي والغربي بغض النظر عن حقيقة الاختيار بين العبودية والتحرر رغم فخامة ادعاءات السيادة والاستقلال.

 

 

اولا إن واقع لبنان الحالي بخياراته الاقتصادية والسياسية هو إدارة الظهر للشرق القريب والبعيد بدءا من سورية وصولا إلى الصين مرورا بالعراق وايران وروسيا والهند وماليزيا وبالتالي فالتسمية الأصح لما ندعو إليه هي انهاء القطيعة مع الشرق أو الانفتاح على الشرق لأن الواقع القائم هو التوجه الأحادي غربا وادارة الظهر شرقا والارتهان للغرب في الشاردة والواردة وبهذا المعنى فإن ما يقترحه المنادون بالتوجه شرقا هو تصحيح الاتجاه وممارسة نهج متوازن يحقق المصالح الوطنية اللبنانية ويلتقط الفرص المواتية للبنان اقتصاديا وماليا لتخطي الكارثة بأقل التكاليف الممكنة وإحياء الدورة الاقتصادية بالشراكات المحفزة لقطاعات الإنتاج وإعادة مراكمة الثروة التي تبددت ولحق بمواردها التدمير في ظل النموذج الريعي الخاضع للهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة.

 

ثانيا الانفتاح على الشرق هو ملاقاة لفرصة نادرة تتيح تلبية كمية ضخمة من المصالح اللبنانية لا يقدم الارتهان للغرب والخضوع لهيمنته بدائل جدية لها تعوض عائداتها وتوازي منافعها الضخمة فالعروض التمويلية المتخيلة في أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي وكذلك في سلة ديون سيدر في حال التزم عارضوها بتنفيذها تعني تكبيل لبنان بالتزامات بسداد تلك القروض ودفع فوائدها كاستحقاقات داهمة بغض النظر عن المدى الزمني الفاصل بين ضخ التمويل بالديون ومباشرة انعكاسه على حال الاستثمار وتوافرعائدات في الخزينة اللبنانية تؤمن القدرة على السداد لا بل إن المشاريع المتداولة خارجيا وداخليا تنطوي على محاولات وضع اليد على الأصول العامة والمرافق العامة مقابل الديون بينما العروض المتاحة من الشرق توفر فرصا جدية لإحياء الأصول العامة وتنميتها والشراكة في العائدات على مدى زمني طويل يلائم طبيعة الاستثمار في مشاريع البنية التحتية وخدماتها المتعددة.

 

ثالثا تنطلق خطط الإنعاش المالية الغربية المتداولة من أمرين خطيرين هما تثبيت النموذج الاستهلاكي الكسيح والتابع مع الاحجام عن عرض أي حوافز للتنمية الصناعية او الزراعية المستقلة المحررة من الهيمنة والأمر الأخطر هو الشروط السياسية المرفقة بالمساعدات ضمنا كما كشفتها تصريحات المسؤول الأميركي ديفيد شينكر بما فيها من استدراج لتنازلات إكراهية عن الحقوق السيادية اللبنانية في المياه الإقليمية وفي خارطة مخزونات الغاز والنفط لصالح الكيان الصهيوني من خلال ما يسمى الترسيم البري والبحري وهو امر ليس مطروحا أبدا في أي من العروض الصينية والروسية بينما الشراكات الممكنة مع سورية والعراق وإيران في مجالات صناعية وزراعية متعددة هي كبيرة وواعدة بحكم القرب الجغرافي والتكامل المناخي والطبيعي وطبيعة الأسواق وعلاقتها التفاعلية التاريخية ومنظومة القيم المشتركة اجتماعيا ولبنان في حاجة إلى البلدان الشقيقة الثلاث لاسيما في مجال الطاقة والنفط والربط الإقليمي من خلال الشراكة في الشبكات العابرة للحدود ولا يوجد ما يعادل تلك الخصائص والإمكانات الوفيرة من حيث العائدات والمزايا في أي من العروض الغربية المكرسة للنهب والهيمنة.

 

رابعا طرح بعض الكتبة وتفوهوا بمفردات غوغائية لشيطنة خيار التوجه شرقا فأوهموا الناس ان التفتيش عن مصالح لبنان في الشرق وانهاء مرحلة إدارة الظهر للمحيط الطبيعي القريب ولأكثر من نصف الكرة الأرضية الصاعد والواعد سيعني قطيعة مع الغرب واستعانوا بموروث ثقافي راسخ منذ عهود الاستعمار الغربي التي نشأت عنها ظواهر عديدة ثقافية واجتماعية متجذرة لدرجة ان احدهم تحدث عن تكوين جيني لبناني يناسب الارتباط بالغرب وهو في ذلك تخطى أحط تعبيرات الهرطقة العرقية في خدمة معلميه وأسياده وكل تلك الزعبرة والسفسطة لا تبدل في الحقائق شيئا لكنها الغوغاء التي تستخدم لمحاربة فكرة التوجه شرقا التي استثارت هستيريا الخوف من تقلص الهيمنة في جميع الدوائر الغربية الاستعمارية ومن مصنفات الغوغاء والدهماء ظهرت كليشية “لا نريد ان نكون فنزويلا ثانية “وأصحاب هذا القول لايرفضون من فنزويلا سوى عصيانها للمشيئة الأميركية وحيث يعني الرضوخ اللبناني انتحارا كاملا وخضوعا لهيمنة مديدة لافكاك منها وخضوعا للسيطرة الصهيونية على حساب الكرامة الوطنية والمصالح الوطنية السيادية المطلوب التخلي عنها فإدارة الظهر للشرق تعني عبودية كاملة والانفتاح على الشراكات المتكافئة شرقاوغربا هو توازن يحقق المصالح الوطنية المتحررة من الارتهان اما الغوغاء فإلى جحيم إفلاسها السقيم.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى