بقلم غالب قنديل

فجوة خطيرة في ثقافة الشباب العربي

 

 غالب قنديل

 تعيش بعض شرائح الأجيال الشابة العربية حالة خطيرة من الفراغ الفكري والثقافي يعززه استلاب التواصل الاجتماعي وتراجع وهج الفكرة الوطنية التحررية في اوساط واسعة من الرأي العام مع تفشي ظواهر التطبيع مع العدو ومصنفات العولمة والتعب من الحروب الذي تفاقمه قسوة الظروف الاجتماعية الصعبة بحيث تنشا بؤر عديدة مواتية للاختراق الصهيوني ولترويج أفكار تغزو الشباب في البلاد العربية تم التخطيط لنشرها بصورة تضعف فكرة الانتماء القومي والعداء للكيان الصهيوني.

 

 أولا إن التراجع المشار إليه انطلق مع عزل قضية فلسطين عن الهيمنة الاستعمارية الغربية اللصوصية وتحويلها إلى قضية حق تاريخي للفلسطينيين موضع نزاع وهو بالتالي قدم إلى الرأي العام بوصفه حقا يقبل التسوية والتنازل وليس التمسك بذلك الحق لأي عربي آخر يمكن أن تثير لديه قضية فلسطين ومعاناة شعبها شعورا بالتعاطف والتضامن من غير أن تكون في وعيه مرتبطة عضويا بتحرر بلده من الهيمنة وبحمايته من خطر العدوان وهذا الاشتغال على تخريب الوعي العربي تراكم خلال العقود الماضية بمساهمات عربية وبتخطيط محكم شاركت فيه دوائر الغرب الاستعماري والحكومات الرجعية التابعة منذ هزيمة حزيران فاتفاقات كمب ديفيد ووادي عربة واوسلو وتمت تغذيته بمنظومة مفاهيمية انطلقت من ترسيخ العصبيات التي انطلقت من الهويات الفرعية على حساب الانتماء القومي الواحد فهي كانت عصبية البلدان والأقطار العربية بداية ثم تفرعت منها عصبيات الطوائف والمذاهب والمناطق والجهات بتمادي التفتيت والتجزئة مع تراجع وانحسار الفكرة الوطنية والقومية.

 ثانيا يتخذ الصراع العربي الصهيوني بعدا وجوديا في وعي الأجيال عندما يجري التعامل معه بوصفه تعبيرا عن التناقض الرئيسي بين الأمة العربية ومنظومة الهيمنة الاستعمارية اللصوصية وانطلاقا من مفهوم وظيفة الكيان الاستعماري الصهيوني كقاعدة متقدمة أوكل إليها الغرب الاستعماري مهمة التصدي لنزعة التحرر والاستقلال في البلاد العربية وبالتالي عندما تقدم فكرة تحرير فلسطين كشرط للتحرر الوطني العربي ولإسقاط الهيمنة الاستعمارية الغربية على البلاد العربية سواء نشأ ذلك فكريا على قاعدة نظريات التحرر الوطني العربي او انطلاقا من مفهوم الغدة السرطانية الذي حملته الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام الخميني وتبنته فصائل وقوى إسلامية تحررية مقاومة تقاتل الاحتلال في فلسطين ولبنان وتناضل ضد الهيمنة اللصوصية الاستعمارية ووكلائها في اليمن والعراق وتتبنى فكرة تحرير فلسطين من موقع التزامها بالتحرر من الهيمنة والتصدي لمنظومتها الاستعمارية الصهيونية الرجعية.

 ثالثا بعد تراجع القدرة الصهيونية تحت وطأة صعود المقاومة حضرت قوات الاحتلال الأطلسية مباشرة لتعوض اندحار الكيان وعجزه ولكن الإمبراطورية الأميركية ودول الغرب الأطلسي عملت على جبهات متعددة لاختراق الوعي والذاكرة في البلدان العربية مع مرور الزمن ويستخدم مخططوها مجموعة ادوات منها نشر مفاهيم صاحبت موجة العولمة تحت العناوين الإنسانية الفضفاضة وأفكار نشر الديمقراطية والسلام والحق في الحياة والتعب من الحروب واستنزافها المتواصل وحيث يتم تأليب الشباب ضد فكرة المقاومة بوصفها جزءا من الماضي وتصميما على هدر الطاقة الفتية في المجتمع دون مبرر منطقي بل ومن خلال تسويق كذبة ان المقاومة التي كانت حركة دفاع وطنية ضد العدوانية الصهيونية الغربية هي من يفتعل الصدامات ويستدرج الحروب وهذا نوع من التلاعب القيمي والثقافي الذي حقق اختراقات لايستهان بها في الأجيال الجديدة القابلة للاختراق والتطويع والبعيدة جغرافيا وإعلاميا وزمنيا عن الضغط المعنوي والأخلاقي للجرائم الصهيونية العدوانية داخل فلسطين المحتلة وفي المحيط العربي القريب.

 رابعا يحتاج الخطاب التحرري العربي إلى نهضة ثقافية وفكرية جديدة قادرة على إقناع الشباب الطالع بلغته وبمنظومة تفكيره عبر إحياء جدلية الانتماء والوعي التحرري بما يتخطى فكرة التضامن مع شعب شقيق منكوب أو العمل لتحرير أراض محتلة إلى إحياء أفكار وحدة المصير القومي والكفاح التحرري من اجل مستقبل عربي جديد وهذا ما يجعل من العروبة ثقافة وانتماء نهضويا تحرريا يستحق كل جهد ممكن .

 إن من الأخطاء الجسيمة لفصائل المقاومة والتحرر إهمال هذه الفجوة الخطيرة والرهان الحصري على فاعلية التعبئة بخطاب حزبي او عقائدي فئوي دون الالتفات إلى الدوائر الأوسع والبحث عن روافعها الفكرية والثقافية والمجتمعية الممكنة فالخطاب العقائدي للفصائل كلها يسهم في سد الفجوة تعبويا وثقافيا ضمن دائرة التأثير المباشر اما في الدوائر المجتمعية الأوسع فيرون فراغ رهيب وخطير في آن معا يتطلب عملا جادا ونوعيا بشتى الوسائل ولاسيما في وسائل الإعلام الجديد القادرة على الوصول إلى شرائح عمرية فتية يستغل فيها المخططون الغربيون والصهاينة ميولا نحو الانفتاح الثقافي والمجتمعي والبحث عن فرص واعدة في عالم يضج بمصنفات التكنولوجيا وبثقافة فردية أنانية تجحد فكرة الانتماء القومي وتصفه بالتعصب المضاد للفضاء الإنساني المزعوم والمؤسس فعليا على التمييز بين الغرب والشرق والسيد المستعمر وأبناء الدول التابعة وبين الأبيض والأسود والملون كما تفضح الأحداث الجارية خفايا الخرافة الأميركية الطاغية وهي فرصة لكسب جولة حاسمة في عقول الشباب حول النموذج الملهم لفكرة القرية الكونية.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى