بقلم غالب قنديل

الإعلام المرئي والمسموع والصناعة الوطنية

 

 غالب قنديل

 يجتاز لبنان مرحلة صعبة اقتصاديا ومعيشيا يتوقف مصيرها ومداها الزمني وحصاد نتائجها على طبيعة استجابتنا لتحدياتها كمجتمع واذا كانت بعض المبادرات الواعدة الجارية تحت عنوان الانتقال إلى الإنتاج والتخلص من النموذج الريعي الاستهلاكي تؤشر فعليا إلى طريق الخروج من عنق الزجاجة الخانق فإن تحولها إلى مشروع وطني شامل نعبيء طاقات مجتمعنا على أساسه هو سبيلنا إلى الإنقاذ الوطني الحقيقي.

  أولا أقام النموذج الريعي الاستهلاكي منظومة من القيم والعادات الاقتصادية والاجتماعية التي يجب استبدالها بقيم وعادات جديدة تعلي من اهمية الكدح والعمل المنتج وتسقط عادات البطالة المقنعة والانتظار الريعي التي عممها نظام المضاربة الربوية المالية والعقارية الذي امتص وابتلع مدخرات اللبنانيين وتحويلات بناتهم وأبنائهم العاملين في الخارج وبددها في الإنفاق غير المنتج ولم يبق منها سوى أرقام على إيصالات الإيداع البنكي ووعود بدفعها تقسيطا في سنوات قادمة من الانتظار الطويل.

 ثانيا في جميع مدارس الاقتصاد السياسي التي عرفها العالم في القرون الماضية تمثل الثروة الحقيقية القاعدة الصلبة لقيمة النقد الوطني وأفعل السبل لوقف انهيار الليرة هو ارتباطها باقتصاد منتج أساسه الصناعة والزراعة وغيرها من الفروع المنتجة للقيم وللثروة وهذا هو طريق التعافي الحقيقي وليس وحده الغوص في معالجات مالية او محاسبية لأزمة المالية العامة وبقدر ما ينتقل اللبنانيون إلى الإنتاج ويوظفون من الموارد العامة للنهوض بالصناعة والزراعة والتصنيع الزراعي يقيمون قاعدة راسخة لتجاوز الانهيار والانتقال إلى مرحلة التعافي الاقتصادي.

 ثالثا هذا الانتقال يستدعي قيام ثورة ثقافية تغير في قيمنا وعاداتنا الاجتماعية وتعيد بناءها على أسس جديدة تستلهم قيم العمل والإنتاج والإبداع والابتكار ووسائل الإعلام الوطنية هي المعنية بداية بالتبشير بالمفاهيم الجديدة وإعادة تشكيل الوعي العام في المجتمع  وهذا يتطلب خطة وطنية إعلامية مواكبة لخطة النهوض الصناعي والزراعي تنطلق من الإعلام العام ووسائله بخطط منتجة لمواد ومصنفات فنية وإعلامية تحاكي التحديات وتسهم في تعبئة الجهود لمجابهتها وإعلامنا المرئي والمسموع هو أول القطاعات المطالبة بالانتقال من النمط الريعي الاستهلاكي إلى الإنتاج الوطني الذي يسهم في كفاح اللبنانيين لتجاوز الكارثة الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.

 رابعا عاشت وسائل الإعلام في زهوة الريوع حالة فيض استهلاكي للموارد المالية واليوم بعد جفاف الريوع المحلية بسبب انهيار النموذج القائم وشح الريع الخارجي الوافد للتوظيف السياسي بات على القطاع الإعلامي ان يجد موارده التمويلية من الاقتصاد المحلي وان يبيع دوره التسويقي بالتكامل مع المنتجين الصناعيين والزراعيين ويمكن للقطاع الإعلامي ان يسهم في مجموعة من الأدوار والوظائف التي تساعد على تنمية الصناعة الوطنية فمن خلال التعريف بمؤسساتنا الواعدة والنامية ومنتجاتها كما يمكن عبر وسائل الإعلام وبرامجها استقطاب شراكات من المغتربين اللبنانيين الراغبين بالاستثمار ومن خلال عرض مزايا المنتجات يمكن فتح الأسواق والفرص الجديدة امامها وعبر المشاركة في تنظيم المعارض وورش العمل يمكن استقطاب المزيد من الشركاء للإنتاج وللتسويق.

 خامسا إن الطابع التفاعلي للإعلام المعاصر يعجل في تحقيق النتائج ويسرع في التواصل المباشر وهذا ما يسمح بعملية إعلامية فاعلة  في استقطاب المواهب والخبرات والرساميل وفي التسويق عبر انماط جديدة من المواد الإعلامية التفاعلية والخدمات والتطبيقات البرمجية التي تتطلب شراكة بين وزارة الصناعة والصناعيين والقطاع الإعلامي بجميع مكوناته وهو التأسيس الحقيقي لتصحيح هيكلي في سوقنا الإعلانية التي قامت على تسويق السلع المستوردة عبر سلسة الوسطاء والوكلاء وصولا إلى وسائل الإعلام فكانت نموذجا ريعيا مشوها وسريع العطب تلاعبت فيه قوى احتكارية حرمت صناعة الإعلان الوطنية من فرص النمو والتطور وخنقت روح الابتكار …  إن صناعة الدراما والبرمجيات والتطبيقات الذكية والإعلانات هي في صلب القطاع الإعلامي المرئي والمسموع وتستدعي رعاية خاصة وينبغي الاهتمام بمنتجيها وتقديم الرعاية لها كفروع من الصناعة الوطنية التي يمكن تنميتها وتطوير قدراتها التنافسية عربيا وعالميا وهي تمثل قيمة مضافة ونوعية إلى الصناعات اللبنانية الواعدة.

 مع اتجاهنا إلى الإنتاج ليكن شعارنا هو “دع ألف زهرة تتفتح ” الشعار الذي اطلق الثورة الثقافية الصينية التي قادت إلى نشوء اهم عملاق صناعي في العالم المعاصر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى