بقلم غالب قنديل

الخداع الفرنسي المكشوف

 

 

غالب قنديل

 

الكذب والدجل والكلام المعسول بضاعة فرنسية تعرض منذ سنوات عبر الوسطاء والسفراء والموفدين وعدد من الكتبة المشغلين في مهام أمنية عبر الخارجية الفرنسية ودوائر الصحافة في مكاتب الاستخبارات الخارجية وقصر الرئاسة وغاية الخطاب الفرنسي هي القول إن باريس غير واشنطن وهي تتفهم الموقف اللبناني من العدو الصهيوني والشكوى اللبنانية من الحصار الأميركي.

 

 

أولا تلقى خرافة التميز الفرنسي وفرضية التمايز الأوروبي عن السياسات الأميركية عموما بعض القبول في الأوساط السياسية العربية وهي تستند إلى ذاكرة نزعة استقلال فعلية عن الولايات المتحدة ماتت ودفنت مع جنازة الجنرال شارل ديغول ولم يعد لها أثر يذكر خارج أرشيف الصحف ووسائل الإعلام.

 

فالسياسة الفرنسية محكمة الربط بالاستراتيجيات الأميركية في منطقتنا وهي منذ غزو العراق واحتلاله مقطورة بالسياسة الأميركية وخططها العدوانية الفاجرة راضية بدور وظيفي ملحق بعدما التحق جاك شيراك بغزوة بوش واطلق رصاصة الرحمة على فرضية انضمام فرنسا وألمانيا إلى روسيا في محور اوراسي يناهض الغطرسة الأميركية ويتصدى للهيمنة الأميركية الأحادية في العالم وكانت في يوميات العدوان على سورية آلاف البراهين على درجات التآمر الفرنسي وعلى الشراكة الفرنسية في الإدارة السياسية والاستخباراتية للحرب الإجرامية على سورية بقيادة أميركية.

 

ثانيا شكل اختبار الاتفاق النووي الإيراني بعد انتخاب دونالد ترامب محطة لسقوط آخر فرص اختبار المزاعم الفرنسية والأوروبية حول تبني خيارات سياسية غير ملحقة بالولايات المتحدة وقد أغرق الثنائي الأوروبي فرنسا وألمانيا بالعروض السخية وسقط بالامتحان رغم الحوافز الضخمة التي وضعت في كفة مقابل الإذعان لمشية الإمبراطورية الأميركية التي شددت عقوباتها ضد الشركاء الأوروبيين أنفسهم بينما كانت روسيا وإيران والصين تقدم الإغراءات الكبرى بشراكات واتفاقات واستثمارات ومكاسب ضخمة ولم تجرؤ حكومتا باريس وبرلين على اتخاذ خيار واضح بل آثرتا لعب أدوار ملحقة بواشنطن.

 

إن السر في هذه الحقيقة هو كون الهيمنة الأميركية الصهيونية محكمة في قلب النخب الحاكمة في فرنسا وأوروبا عموما وفي منابتها المالية المصرفية منذ جيسكار ديستان حتى مانويل ماكرون الوافد إلى قصر الإليزيه من مكاتب غولدمان ساكس.

 

ثالثا إن التجربة الفرنسية في لبنان الذي تعتبره باريس نطاق نفوذ تقليدي تشير بالوقائع إلى وظيفة الدور الفرنسي في خدمة الحلف الأميركي الصهيوني وحتى قنوات التفاوض والاتصال الفرنسية المفتوحة مع المقاومة وحلفائها هي منصات يوظفها الأميركي في خدمة سياسته ومصالحه المشتركة مع الكيان الصهيوني وما يدل على هذه الحقيقة راهنا هو ما تحاول فرنسا القيام به لفرض امر واقع جديد يتصل بمهام قوات الطواريء الدولية على أرض الجنوب اللبناني لجهة محاولة تكريس أعراف منها قيام القبعات الزرق بدوريات وعمليات تفتيش دون استئذان قيادة الجيش اللبناني وطلب مواكبته وهو تجاوز لقواعد التفاهم الذي رافق انتشارها مع صدور القرار 1701 بعد حرب تموز 2006 وهذا الذي يجري على الأرض يضع القوات الدولية في حالة الصدام الوشيك مع اهالي المناطق الجنوبية الذين ينظرون بريبة إلى تحركات اليونيفيل المنفردة وما تبنيه من أبراج قرب الخط الأزرق وما تستهدف به المقاومة في تدابيرها على الأرض ويعرف الفرنسيون بالتجربة ان تبعات الاحتقان والاستفزاز ستشكل تحولا في نظرة الناس إلى جنودهم وضباطهم ويمكن ان تولد احتكاكات يدفعون ثمنها في النهاية.

 

رابعا يفترض بمن يكثرون الكلام عن حرص فرنسا على لبنان وشعبه ان ينقلوا إلى باريس حقيقة انها تغامر بهامش الحركة الذي اكتسبته على الأرض بمعرفة المقاومة وتحت عيونها وتحاول التوسع فيه لتقدم خدمات امنية للعدو الصهيوني على حساب المقاومة واهل الجنوب وأن هذا المنطق غير قابل للحياة مهما سعى الموفدون والرسل إلى تغطيته بالأكاذيب وان دور الأمم المتحدة في لبنان ذاهب نحو انحراف خطير لن يكون مقبولا اومستساغا بأي شكل كان في خرقه لقواعد السيادة اللبنانية ولن يطول الوقت قبل اشتراط لبنان ترتيبات متوازية على جانبي الخط الأرزق بما في ذلك مطالبة القوات الأممية بتحديد دورها في استرجاع ما بقي من أرض لبنانية محتلة في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا وبلدة الغجر وهو مضمون انتدابها بموجب القرار الدولي أما الأمر الواقع الذي تحاول رعاية تثبيته على الأرض بدوريات وترتيبات غب الطلب الصهيوني وخارج قواعد الانتشار المتفق عليها مع الجيش اللبناني فهي بذرة صدام مع الأهالي ستكون كلفته عالية بالتأكيد اذا استمر هذا التمادي الوقح.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى