بقلم غالب قنديل

سورية تجابه عقوبات أميركية جديدة

غالب قنديل

من المتوقع انطلاق تطبيق ما سمي بقانون قيصرالأميركي اول شهر حزيران وهو مكرس لتشديد العقوبات المتواصلة ضد الشقيقة سورية منذ العام 1979 بسبب دعمها لحركات المقاومة في المنطقة واتهامها بالإرهاب.

 

أولا يوسع المخططون الأميركيون دائرة عقوباتهم بموجب القانون الجديد فهي تطال سائر المتعاملين تجاريا والمتعاونين مع سورية من أفراد ومؤسسات وحكومات وكل من تجد الإدارة الأميركية في علاقته بسورية مصدرا لتعزيز مقدرات سورية وإمكاناتها الاقتصادية والتقنية والمالية في أي مجال كان وقد عرفنا في التطبيقات الأميركية لهذا النوع من العقوبات استنسابا وتوحشا إجراميا بلا حدود طال بلدانا كثيرة وشعوبا عديدة بهدف خنقها ومنعها من التطور بل ووضعها على حافة الجوع والفقر لمساومتها على استقلالها وخياراتها السياسية التحررية وهو ما تعرضت وتتعرض له على سبيل المثال كوبا وإيران وفنزويلا وكوريا الديمقراطية ونيكاراغوا وغيرها بل إن الصين وروسيا باتتا عرضة لهذا العدوان الصفيق.

ثانيا من الضروري التعامل مع العقوبات الأميركية قديمها وجديدها بوصفها عدوانا استعماريا وتمزيق بيانات الاستنكار المخفف والمعقم التي تتحدث عن العقوبات باستنكار واضح لكنها تفقد معناها                                              باعتمادها توصيفا عقيما عن “التدابير أحادية الجانب” وهذه العبارة في مضمونها تفتح كوة خطيرة وكأن التفاوض الثنائي مع الولايات المتحدة للتفاهم على الامتثال لأي عقوبات هو الخيار الواقعي البديل.                                                                                                                           ينبغي التخلي عن تلك التوصيفات المعقمة والبلهاء التي تطرز بعض المواقف المتضامنة مع سورية وأصحابها يفرغونها من أي مضمون تحرري مقاوم فمتى كانت العقوبات تدابير ثنائية الجانب بمعنى أنها حصيلة تفاهم بين الضحايا والإمبراطورية الاستعمارية؟                                                                    هذا ضرب من التخريف والشعوذة وهو يفقد الدولة الوطنية زخم التصدي للعدوان تحت راية الاستقلال الوطني والتحرر من الهيمنة بينما تعرية العقوبات والتعامل معها كعدوان يتيح فرصة تعبئة الجهود والإمكانات الوطنية ضد عدوان استعماري واضح ومكشوف وهذا ما يرفع منسوب القدرة على حشد وتعبئة الشعوب والحكومات الحليفة.

ثالثا الولايات المتحدة هي الدولة الاستعمارية التي قادت حرب تدمير واسعة ضد سورية وما تزال جيوبها تشعل المناطق الطرفية في البلاد بينما يتواصل نهب خيرات سورية هائلة تحت وطأة الاحتلال والعدوان الأميركي والتركي والصهيوني وهذه الدولة الإمبراطورية المعتدية هي التي حشدت بقيادتها عصابات الإرهاب ووفرت لها بواسطة عملائها وشركائها في حلف الناتو وبالشراكة مع الكيان الصهيوني موارد التمويل والسلاح ثم هزمت ومنيت بالخيبة وتلك الدولة الاستعمارية المتوحشة هي نفسها تستكمل عدوانها بالحصار الاقتصادي والمالي والتكنولوجي وهي الحقيقة التي لابد ان تنطلق منها أي مقاومة جدية للعقوبات ولا مجال للمساومة عليها من حيث المبدأ فقانون قيصر هو موجة العدوان الأميركي الجديدة بعد فشل الغرب الاستعماري بقيادة واشنطن في حربه على سورية وبعد التدمير والغزو العسكري يريدون منع النهوض السوري بالحصار الاقتصادي لأنهم يخافون من القوة السورية الجديدة القادمة.

رابعا لقد اختبرت سورية الحصار الأميركي الغربي منذ عقود وكان ردها عليه هو الاعتماد على منتجيها ومواردها الإنتاجية ورفعت يومها شعار الاكتفاء الذاتي وقطعت أشواطا في طريقه وقد استطاعت ان تحول التهديد إلى فرصة واليوم ورغم المصاعب ودمار الحرب ستكون قادرة من جديد إذا نجحت في تعبئة قواها وطورت وسائلها لمقاومة الحصار وعززت الشراكات المفيدة مع الدول التي يمكن الاعتماد على ثباتها الاستقلالي وعدم رضوخها للتهديد الأميركي ويقتضي هذا الأمر الانطلاق من رفض اوهام تقليدية بالية عن الخيار الأوروبي الذي يكثر في الوطن العربي مروجوه الافتراضيون فالعدوان على سورية أظهر بما لايقبل أي جدال او شك أن أوروبا الغربية تتصرف كمستعمرة أميركية تذعن للأوامر والطلبات التي تتبلغها من واشنطن وهي أوهن من ان تشق عصا الطاعة في خنوعها ولا لزوم لهدر أي جهد على هذا الافتراض الذي اختبرته روسيا والصين وإيران وثبت عقمه منذ خروج إدارة ترامب من معاهدة الاتفاق النووي.

خامسا إن الوضع العالمي الجاري تشكله يتيح فرصا جدية للبحث عن شركاء تجاريين تعرفهم سورية جيدا وهم وقفوا معها سياسيا وعمليا ضد العدوان الاستعماري ويمكن مع هؤلاء الشركاء اعتماد عمليات التبادل التجاري باتفاقات الدفع بالعملات الوطنية وهي ظاهرة عالمية تتوسع كما تتوسع دوائر التعامل المالي المصرفي من خارج نظام السويفت الأميركي وقد شكلت الصين باعتماد خيار بديل خارج الدولار نواة دائرة عالمية مستقلة عن الهيمنة الأميركية تتيح التبادل التجاري والمالي بحرية بعيدا عن ادوات الرقابة والتحكم الأميركية ولدى سورية خيارات متعددة في هذا المجال بخصوص الشراكات القريبة والبعيدة ولعل الأشد صعوبة وتعقيدا هو القريب منها أي آفاق الشراكة الجدية مع لبنان والعراق بفعل رضوخ البلدين لضغط القوى التابعة للهيمنة الأميركية التي تحتل مواقع مؤثرة في القرار السياسي ولولا ذلك لقامت سوق مشتركة فورا بين البلدان الشقيقة الثلاث ولتحقق الطموح الأبعد إلى وحدة اقتصادية فيها إنتاج مشترك وتعرفة جمركية واحدة ولتشكل في الشرق العربي مارد اقتصادي ومالي طموح سوري لبناني عراقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى