بقلم غالب قنديل

للكلمة والقبضة التي ارتفعت ضد اتفاق العار

غالب قنديل

سرعان ما انهارت أمام العدوان الصهيوني الواسع عام 1982 هياكل البيروقراطية الوطنية السلطوية اللبنانية والفلسطينية وقد شلتها وأقعدتها عزلتها عن الناس وامتيازاتها المكتنزة من التمويل النفطي وقد واصلت القتال أنوية لبنانية فلسطينية قليلة العدد ووحدات نظامية سورية في البقاع وداخل بيروت حافظت جميعها على ارادة المقاومة وسطرت بطولات مجيدة دون أن ترقى إلى إفشال العدوان في مناخ سياسي انهزامي شامل.

 

أولا نتيجة الانهيار الميداني اندفع الغزاة بسرعة إلى العاصمة بينما ساد  انهيار سياسي عبر عنه مناخ التفاوض الطويل السري والعلني بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بمعونة شركاء لبنانيين مع الموفد الأميركي فيليب حبيب وبمتابعة وتنسيق مع قيادة الحركة الوطنية اللبنانية وأثمر ذلك التفاوض عن اتفاق الخروج من بيروت ثم فتحت بعده الطرق بواسطة القوات متعددة الجنسيات فارتكبت مذابح صبرا وشاتيلا وبدأ الصهاينة والأميركيون يخططون لإقامة محمية استعمارية في لبنان بتكامل الاحتلال الصهيوني لمساحات واسعة من أراضي البلد مع القوات الأطلسية التي رابطت بوارجها على ساحل بيروت.

 هكذا قامت توليفة سلطوية سياسية وامنية عميلة جاهزة لتحقيق الهدف الذي رسمه كل من مناحيم بيغن وأرييل شارون مع وزير خارجية ريغان جورج شولتز فالمطلوب توقيع اتفاقية تضع لبنان تحت الوصاية الأميركية الأطلسية الصهيونية وسحق المعترضين أيا كانوا.

ثانيا مع انطلاق التفاوض بين الحكم اللبناني العميل والعدو الصهيوني بإشراف جورج شولتز الذي أعطى اسمه لاتفاق العار في السابع عشر من أيار 1983 الذي عرف بمعاهدة شولتز انطلقت أصوات وقبضات كثيرة تخوض معركة الوعي بالدعوة إلى المقاومة وبرفض أي اتفاق مع العدو وتبين مخاطره الكثيرة على لبنان وهكذا كان دور حاسم للعديد من الشخصيات والقوى الوطنية اللبنانية وللعديد من رجال الدين الذين لم يوفروا جميعا وسيلة وأداة للتواصل بالناس ولدعوتهم إلى المقاومة وحثهم على الصمود ورفض اتفاق العار الذي عرض على المجلس النيابي بعد أقل من شهر على توقيعه فتصدى له باسم الإرادة الشعبية كل من النائبين زاهر الخطيب ونجاح واكيم وقد كانت أولى تعبيرات الرفض الشعبي في اعتصام بئر العبد الذي دعا إليه وقاده المفكر والخطيب المحبوب الراحل السيد محمد حسين فضل الله يوم 17 أيار وأرسل أمين الجميل قوة من الجيش حاصرت المنطقة وأطلقت النار على المعتصمين واعتقلت العشرات منهم واستشهد الشاب محمد نجدي في تلك الانتفاضة.

ثالثا نستذكر في هذا اليوم محاور معركة الوعي التي كانت أدواتها الإعلامية صحافية وإذاعية ومسجدية وبرلمانية فقد لعبت دورا بارزا في الدعوة للمقاومة والمناداة بإسقاط اتفاق العار في حقبة ما بعد الاحتلال صحيفة السفير وإذاعة صوت لبنان العربي وشكل خطابا النائبين الخطيب وواكيم في جلسة البرلمان المخصصة لعرض الاتفاق مادة تعبوية وتثقيفية بينما تابع الناس بشغف خطب آية الله السيد محمد حسين فضل الله والعلامة الشيخ عفيف النابلسي والشيخ ماهر حمود وسواهم من الشخصيات والرموز بينما تعهدت جبهة الخلاص الوطني بقيادة الرئيسين سليمان فرنجية ورشيد كرامي وبالتحالف مع رئيس حركة امل الأستاذ نبيه بري وقيادات وطنية عديدة بإسقاط اتفاق العار وشرعت أنوية المقاومة الشعبية والعسكرية تتوسع وتغرف من مرجل الغليان الشعبي أفواجا من المقاتلين والاستشهاديين من طلائع حركة أمل وروافد حزب الله والحزب السوري القومي والحزب الشيوعي والاتحاد الاشتراكي ورابطة الشغيلة والتنظيم الشعبي الناصري ومع كل هؤلاء مجموعات صمدت من فصائل المقاومة الفلسطينية وتسارع ظهور العديد من التشكيلات المقاتلة السرية التي كانت في معظمها ترتبط شبكيا بالقائد عماد مغنية ورفاقه.

رابعا تجمعت روافد النضال الشعبي والعمليات المقاومة البطولية في تأسيس توازن جديد للقوى تفجر بانتفاضة السادس من شباط وفرض على الحكم العميل الدمية تمزيق الاتفاق بعدما تم تعطيل ابرامه وفرض رحيل الأساطيل بعمليات  أذاقت القوات الأجنبية وقيادتها الأميركية مرارة ما تزال حتى اليوم ورغم انقضاء ثلاثين عاما انكسارا رهيبا في ذاكرة العدوان والغطرسة والعنجهية الاستعمارية وظل مطموسا في الاعترافات الأميركية فعل الجيش العربي السوري الذي تصدى بصواريخ حصل عليها القائد حافظ الأسد من الرفيق اندروبوف آخر الشجعان السوفييت للأسراب الأميركية المغيرة على البقاع والجبل التي أشهر البنتاغون سقوط ثلاث من طائراتها الحديثة والمتطورة في حوادث تدريب مزعومة وزعتها بيانات  واشنطن بين اليونان ومالطا وإيطاليا.

انهزم الأميركيون وتكسر جبروتهم في لبنان وتهاوت أحلامهم بجمهورية موز يتقاسمون الهيمنة عليها مع قاعدتهم المتقدمة إسرائيل ولكن الاستعمار بطبيعته يعاود الكرة دوما فتربصوا ثلاثة عقود بالقائد عماد مغنية وحاولوا بمتفجرة بئر العبد اغتيال السيد فضل الله ووجد منهم من يقر بالعجز ويكتب معترفا بالجرائم كما يفعل الصهاينة اليوم في ذكرى الهروب من لبنان وما احوجنا إلى روح وشجاعة وتضامن تلك الفترة لتخليص البلاد من خطر الهيمنة والإفقارالذي يتربص بنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى