بقلم غالب قنديل

فكروا في البدائل الشرقية

غالب قنديل

يقود التمحيص في اوضاع الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا وبالذات فرنسا وبريطانيا وألمانيا إلى صورة متشائمة لفرص الاهتمام بانتشال لبنان من مأزقه الكارثي عبر ضخ اموال في نظامه المصرفي وماليته العامة مهما تلقى المسؤولون إشادات بخطتهم المالية التي تضمنت تصحيحا محاسبيا لبعض وجوه الخلل المنهجي المتراكم في بنيان النموذج المنهار ولم  ترق إلى الرؤية الاقتصادية الجديدة.

 

أولا تؤكد التقارير والتوقعات ضخامة حجم الأموال التي تحتاجها كل من دول الغرب الصناعي الكبرى لإنعاش اقتصاداتها ولتلافي الأسوا في ضوء نتائج الركود الذي كان قادما أصلا قبل تلاقيه في مقطع زمني واحد مع الإقفال التام الذي فرضته كورونا خلال الأشهر الماضية وقد اضطرت جميعا لإلقاء كتلة هائلة من الأموال وربما اضطرت بعض الحكومات  إلى طباعة كميات ضخمة من الأوراق النقدية التي تنعكس بضغوط تضخمية مضاعفة بمجرد استئناف النشاط الاقتصادي وهي كانت مضطرة لمد الأيدي إلى مرافقها الاقتصادية ومواطنيها لاحتواء الزيادة النوعية في حجم البطالة وانعكاسات الظرف الصحي والاقتصادي على الشركات الصغيرة والكبيرة بحيث بات المطلوب تلافي انهيار غير مسبوق يضج بإفلاسات جماعية بدأ بعض كبار الخبراء يصفونه بكارثة تتخطى الكساد الكبير عام 1929 وهذا ما يعني في الحصيلة ان هوامش مالية محدودة ستتبقى لتلك الدول الكبرى المليئة ماليا كما نفترض لمد يد المساعدة إلى لبنان او غيره من الدول التي تطلب المساعدة وهي كثيرة دون شك.

ثانيا ستكون بريطانيا وفرنسا وألمانيا وحتى الولايات المتحدة معنية بالإهتمام بداية بسائر اعضاء الاتحاد الأوروبي والحلف الطلسي قبل الالتفات إلى بلدان العالم الثالث مهما اكثر دبلوماسيوها من عبارات المجاملة اتجاه بلد كلبنان عومل اقتصاديا وسياسيا كموقع نفوذ غربي تقليدي منذ امد بعيد وكساحة حركة مخابراتية وسياسية وإعلامية مفضلة للتأثير على احداث منطقة غرب آسيا وللتدخل في جواره القريب أي  سورية والعراق وإيران وفلسطين او ما نطلق عليه الشرق العربي وأيا كان الانعكاس المحتمل لانهيار لبناني أو لانفجار فوضوي اجتماعيا وسياسيا وربما امنيا فهو لا يرقى إلى المخاطر الكامنة في تولد ازمات كبرى داخل الفناء الأوروبي وفي دول أساسية من حلف الناتو مثل أسبانيا او إيطاليا او أي من دول أوروبا الشرقية التي باتت تحت الهيمنة الأميركية الغربية الكاملة في وجه القطبين الروسي والصيني وبالتالي سيكون الانعاش الأوروبي حكما ضرورة امنية اميركية وألمانية وبريطانية وفرنسية على الرغم من مصاعب هذه الدول الأربع الوطنية المكلفة مع تفاوت التكاليف والانعكاسات الاجتماعية والسياسية.

ثالثا إن المقاربة التي تكتنف حركة صندوق النقد الدولي لخطة الحكومة اللبنانية التي بوشر التفاوض بشأنها والتوجيه الأميركي الذي كشفته بعض تصريحات المسؤولين مثل معاون وزير الخارجية ديفيد شينكر او المقال الذي نشره مؤخرا جيفري فيلتمان على موقع معهد بروكينغز تشير بوضوح إلى لعبة ابتزاز ومساومة سيديرها الغرب مع لبنان بدافع التطويع السياسي مع عزم متجدد على تطبيق أسلوب “أسعفه كي لا يقع ولا تدعه ينهض ” فضخ الأموال سيكون مرفقا بشروط سياسية وإدارية ومالية تمس السيادة الوطنية فالمجموعة الأميركية الأوروبية ملتزمة بتحجيم المقاومة وحلفائها في تركيبة السلطة اللبنانية وهي مصممة على مراقبة وجهة إنفاق كل سنت ستشملة المساعدات تحت عنوان ضمان عدم تسرب المال إلى حزب الله وحلفائه وليس من المصادفة هجوم فيلتمان الصريح على الحزب وحلفائه يمن فيهم التيار الوطني الحر في معرض مزاعم الفساد واشتراطه تعاون حكومة الرئيس دياب مع المعسكر السياسي اللبناني الذي رفض المشاركة في مسيرتها  أي الثلاثي جنبلاط جعجع والحريري مع الكتائب وآخرين كضمانة لتنفيذ الوعود التمويلية المحتملة مع التهديد الصريح لأي مس بهذا المعسكر في عملية مكافحة الفساد والمحاسبة على السنوات السابقة وهو بذلك يحكم إعدام كل ثرثرة عن الإصلاح ومحاربة الفساد لأن حلفاء واشنطن المقربين كانوا بؤرة الفساد المركزية في النظام اللبناني .

رابعا إن خيار التوجه شرقا بدءا من سورية والعراق الذي طرحه قائد المقاومة وصولا إلى الصين وروسيا وإيران لابد وان يوضع على الطاولة وينطلق تحضير ملفاته ومرتكزاته ودراسة فرصه وما يتيحه من إمكانات على قاعدة التحول الاقتصادي نحو الإنتاج والتشبيك القومي والشرقي الذي ينطوي على فرص النمو والتوازن الحقيقي بدلا من التعويل على حقن إسعاف قد تكون عالية الكلفة وقد لا تأتي أصلا امام تداعيات الخسائر الغربية المتراكمة والولويات المزدحمة على نحو دراما تيكي ولا مجال للتحرك المجدي خارج فتح المسارات الجديدة بموازاة التفاوض مع المجموعة الغربية وصندوق النقد وينبغي ان نضع في الحساب أننا في معركة استقلال وليس في حملة تسول واستجداء وبالتالي فالتخلي عن جزء من السيادة هو بمثابة التنازل عنها كليا فإما ان تكون كاملة او لا تكون وهذه عبرة التجربة الطويلة لشعوب الشرق.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى