بقلم غالب قنديل

عيون المرابين على المرافق العامة

غالب قنديل

البيان الشرس الصادر عن جمعية المصارف بما فيه من علامات الغضب والرفض لخطة حكومية متواضعة الأهداف يلاقي الصد العنيد الذي أبداه حاكم المصرف المركزي اتجاه دعوات التعاون والمكاشفة بالأرقام ورغم توقف نسبي في الحملة السياسية التي استهدفته وبعضها ذهبت إلى المطالبة بإقالته يتبدى من الوقائع ان الجدل الفعلي ينصب على توزيع حصص كل جهة من الكلفة الإجمالية  للحد من نتائج الانهيار.

 

اولا إن مالكي المصارف وشركاءهم من أركان النموذج الريعي المنهار راكموا بمعونة مصرف لبنان وسائر الحكومات السابقة المتعاقبة وبرعاية نادي الدائنين في باريس أرباحا خيالية وحصدوا جميعا ثروات طائلة من عمليات ربوية غير مشروعة من خلال الفوائد الباهظة على سندات الخزينة وقد حصدت تلك الأموال الحرام في عرف جميع القوانين والشرائع الأرضية والسماوية جهات متعددة محلية وعربية واجنبية تربحت من الاستيلاء على ودائع اللبنانيين وتحويلات أبنائهم الذين يكدون ويكدحون في الخارج.

ثانيا إن توزيع اكلاف الانهيار بعدالة يفترض ان تكون الحصة الأكبر من حسابات الذين تربحوا واستثمروا الأزمات لمراكمة العائدات ويتساوى في ذلك على صعيد المسؤولية والتبعة الأخلاقية والمادية متقاسمو الغنائم والصفقات العمومية والعمولات والمرابون الكبار الذين سرقوا المال العام بكل “اناقة” مع الاستشارات والتغطيات القانونية المصنعة فأبشع اللصوص هم من فرضوا القوانين لتغطية سرقاتهم المدبرة والمخططة بإتقان وبالشراكة مع سادتهم الغربيين المدججين بجيش من الخبراء ومراكز الدراسات وصناديق التنمية المزعومة التي يقف خلفها جميعا اخطبوط الشركات والبنوك العملاقة العابرة للحدود.

ثالثا يتحدث مالكو المصارف من خلال أبواقهم الإعلامية عن ضرورة تحمل “الدولة” الكلفة الأعلى بدلا منهم  وهم يقصدون بذلك ان تفتح امامهم فرص استرجاع الدين العام بالاستيلاء على المرافق العامة كما فعلوا بالاستيلاء على العقارات التي قدمها اللبنانيون مقابل قروض فقدوا القدرة على سدادها وهذا ما يكشف سرا كامنا خلف الحملات التي تطال الرئيس حسان دياب ومشروعه لاحتواء نتائج الانهيار تحت عنوان الإصلاح المالي والاقتصادي فالمرابون يريدون الاستحواذ على الممتلكات العامة لحسابهم وهذا فحوى ما سبق ان تضمنته وصفة الرئيس الحريري قبل استقالته بأيام.

رابعا على الرغم من ان ما نشر عن مضمون الخطة الحكومية لم يتضمن تدابير موعودة لتنمية الانتاج الصناعي والزراعي وهذا هو السبيل الحقيقي لتحقيق توازن فعلي في المؤشرات المالية بعدما تم تدمير موارد الثروة الطبيعية كما ضمرت وتراجعت الصناعة والزراعة معا  واكل التضخم الهائل جميع هوامش الاستقطاب المتواضعة للسياحة بعدما أغرق البلد في فقاعة المضاربات والربا على حساب الإنتاج  لكن لابد من مساندة الحكومة في وجه المافيا الشيلوكية الربوية التابعة للغرب والتي فتحت البلد على مصراعيه للعقوبات الاميركية التي استهدفت لبنان والمقاومة وتتربص بهما.

خامسا إن التوزيع  العادل لتكاليف الخراب بعد تحديد الخسائر يمهد عمليا لانطلاق أي مسعى انقاذي حقيقي وهو مجرد احتواء داخلي للانهيار بالمعنى السلبي وليس كافيا لبدء التعافي فقد دفعت الطبقات الشعبية كلفة الانهيار الخطر من قدراتها الشرائية التي تراجعت إلى ما دون النصف خلال أسابيع وهي معدلات لا تملك شرائح كثيرة طاقة التكيف معها في أساليب عيش متقشفة مهما بالغت في شد الأحزمة ولعل من المؤشرات الأخطر تحويل جموع متزايدة إلى متسولين باسم المعونة والتكافل بدلا من تعميم كرامة الانتاج والكدح في عملية اعادة البناء الوطني التي لابد من اطلاقها بقيادة جبهة شعبية وطنية تقود تلك العملية التاريخية التي تضع البلد على طريق التحرر الوطني والشراكة القومية والشرقية الواسعة فهنا تكمن فرصة الانقاذ والنمو الحقيقي والباقي سراب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى