بقلم غالب قنديل

المحنة الوبائية تشهد للفكرة الاشتراكية

غالب قنديل

قامت الفكرة الاشتراكية بنماذجها المختلفة وعلى تنوع المذاهب التي تدعو إليها كما ظهرت في رحاب القرن العشرين على تكريس مبدأ الصالح العام في إدارة الدول وعلى أنسنة الأنماط الاقتصادية واحترام الخير العام للشعوب ولشروط حياتها وسلامتها وحقوقها الأساسية في الصحة والتعليم والعمل.

 

اولا أطلقت المذاهب الاشتراكية عمليا فكرة المرفق العام والمصلحة العامة ورسمت حدودا وقواعد صارمة بين ما هو حق عام للشعوب وما هو منفعة فردية متاحة في وجه الإطلاقية الفردانية ومحورية الملكية الخاصة التي روجت لها سائر المذاهب الرأسمالية المتعددة.

اليوم وبصورة مفاجئة ينتبه المشاهد والمتابع إلى ما يقوله الخبراء الروس في مقابلاتهم واحاديثهم عن تفسيرهم لفاعلية تدابير الوقاية الروسية من جائحة كورونا ولكفاءة النظام الصحي الروسي وثقتهم العالية بكفاءته عندما يردون فضائل النظام الصحي الروسي القوي ومؤسساته الفاعلة إلى ما بقي في البلاد من تركة الحقبة السوفيتية من مختبرات مركزية قوية ومن قطاع استشفائي ومن قواعد صارمة للرعاية الصحية في المجتمع  وللرقابة الصحية الدائمة والمستمرة على جميع المستويات بصورة تقلل من مخاطر تسرب الأوبئة وانتشارها في روسيا الاتحادية ويبدو بوضوح شديد لمن يتابع أن المنظومة الصحية السوفياتية ظلت محصنة ولم تستطع النيل منها أعتى موجات الخصخصة وهجمات الأثرياء الجدد الذين خرجوا من رحم النخبة البيرقراطية السوفياتية السابقة التي سماها بعض الكتاب والفلاسفة في الغرب “النمونكلاتورا “.

ثانيا لم يكن فقط قطاع الصناعة العسكرية هو الذي نجا من موجة الخصخصة والبيع في التحول الروسي إلى عهد الشركات الرأسمالية بل أيضا قطاع الصحة العام بكل مافيه من صناعات دوائية ومختبرات ومستشفيات  مركزية ومراكز أبحاث متخصصة في علوم الأوبئة والجراثيم وهي بالفعل منظومة ضخمة توفر تقديمات وخدمات ترعاها الدولة المركزية على صعيد الصحة العامة وتتيح نظاما صحيا جيدا يوفر أسباب الحماية والرعاية على نطاق واسع وهو ميزة يكتشفها المواطنون الروس ويدينون بها لحقبة الحكم السوفيتي كا يعترفون إلى جانب النظام التعليمي والبنى الأساسية العملاقة ومنظومات عسكرية متطورة تعتبر فخر التكنولوجيا الروسية ومصدر السمعة الطاغية لقوة الجيش الأحمر الذي يفاخر بمجده السوفيتي العظيم ويحتفظ بالعديد من وسوم وتقاليد الزمن السوفيتي الاشتراكي بما في ذلك نداء الرفيق بين الجنود والضباط والقادة.

ثالثا بصورة مشابهة برز النموذج الصيني في مقاومة الوباء قويا ومتماسكا وتمكنت الدولة العظمى والقوة الاقتصادية العالمية البارزة التي يقودها حزب شيوعي من تقديم نموذج هام في ادارة الكوارث وتغليب العام الذي هو صحة عموم أفراد الشعب ازاء كارثة طبيعية وقدمت الصين إلى ذلك نموذجا في درجة الاستجابة الشعبية العالية لسلوكيات المقاومة الجماعية ضد تفشي الفيروس بينما قدمت حكومة البلاد درسا في الأخوة الإنسانية والتعاون الدولي العابر للحدود في ما قدمته من مساعدات هامة لدول الغرب المنكوبة بكورونا وهي تنعش بذلك فكرة التضامن الأممي التي شكلت عصب انتشار الاشتراكية في العالم الثالث والتبشير بها بعد الثورة البلشفية انطلاقا من تطلع شعوب المستعمرات إلى التخلص من الهيمنة الاستعمارية اللصوصية وشق طريق الاستقلال الوطني والتنمية.

رابعا اختار فيديل كاسترو في مشروعه الاشتراكي التركيز على القطاع الصحي والنظام التعليمي وهو كان يحاكي ثلاثية فرنز فانون عن الجوع والمرض والجهل عندما حدد أولويات النظام الثوري الكوبي الذي شرع في بنائه مع رفيقيه أرنستوغيفارا وزير الصناعة المقاتل  وشقيقه راؤول فقد ظهر اليوم وبعد سبعين عاما من الحدث التاريخي كيف امتلكت دولة زراعية صغيرة وغير غنية بالموارد الطبيعية تحت الحصار الشرس جيشا من الأطباء وصناعات دوائية ومراكز أبحاث متطورة تشكل قوة حماية للإنسانية تقدمها هافانا هبة لإيطاليا وأسبانيا وغيرها ولا مجال لمقارنة القدرات الكوبية بما لدى البلدين العضوين في الناتو من الإمكانات ومما تغيره المحنة العالمية في إيطاليا وأسبانيا هو نظرة الشعبين إلى ما سوقه الإعلام العالمي من اكاذيب عن جزيرة متخلفة ينهشها الفقر والجوع تسيطر عليها ديكتاتورية دموية وهي تكرس ما لديها لنشر الإرهاب والشر بينما خرجوا إلى الشوارع والساحات يصفقون ويغنون لفرق كوبية قادمة لإغاثتهم في ظل مرارة الخيبة من روابط الأخوة الأوروبية والشراكة الأطلسية وربما فوجئوا بان كتائب النساء والرجال التي حطت في ديارهم كانت مدججة بالمعدات الطبية وشحنات الأدوية ومن دون الصواريخ والأسلحة التي ترفق عادة بصور القادة الكوبيين في الإعلام الأوروبي وهي لم تكن فرق احتلال وغزو بل فتحت لهم باب الأمل بشفاء الأقارب الذين لفظهم النظام الصحي لبلدانهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى