بقلم غالب قنديل

الفرص ضئيلة وتفترض توجهات بديلة

غالب قنديل

قوبلت الطلبات والتمنيات اللبنانية يوم امس باستعداد مبدئي للمساعدة من سفراء ” مجموعة الدعم الدولي ” التي كانت فيها الأشد حرارة في لغة التضامن كلمات السفراء الفرنسي والصيني والروسي.

 

 أولا ما يجب ان يضعه اللبنانيون في اعتبارهم مسؤولين وجمهورا ان تفشي وباء كورونا عالميا حمل معه إلى الدول العظمى والصغرى تحديات كثيرة فرضت على الحكومات مراجعة الأولويات وتعديل جداول الأعمال فقدمت همومها الوطنية الخاصة على سائر الاهتمامات السياسية والاقتصادية والمالية في الخارج كما فرضت عليها اولوية الانفاق الضروري على خدماتها الصحية وتوفير حاجاتها الاجتماعية والاقتصادية التي تعني عيش شعوبها وبلدانها في زمن التوقف شبه الشامل لدورة الإنتاج وهي تخصص بعض الإمكانات القليلة المتاحة لبرامج المساعدة والإغاثة الخارجية بينما باتت دول كالولايات المتحدة وفرنسا وأسبانيا تنتظر معونة طبية وتقنية من الصين او روسيا وكوبا.

ثانيا حين نجري حسابا واقعيا للقدرات والأعباء المستجدة لدى سائر حكومات العالم يمكن ان نخلص إلى الاستنتاج ان المراهنة على مساعدات فعلية أو كبيرة هي ضرب من الخيال والمبالغة الرغبوية الخادعة بالنظر إلى ما يتطلبه كبح التدهور الاقتصادي والمالي العالمي وما يستدعيه الانعاش المنشود للدورة الاقتصادية والمصرفية اللبنانية من جرعات انعاشية تفوق المتاح من هوامش المؤازرة الممكنة عند سائر الدول والحكومات التي اعتادت الحكومات اللبنانية مناشدتها ومن المشكوك به أن تصمد بعدما كل ما جرى سائر  التعهدات السابقة التي سمعها لبنان سواء في مؤتمر سيدر أو سواه أم في خطب المسؤولين الغربيين والسفراء المعتمدين في بيروت.

ثالثا على لبنان مراجعة حساباته في الظروف الجديدة والانطلاق من إمكاناته الواقعية اقتصاديا وماليا بجدول اولويات واضح ومحدد يجسد الشعار العام المرفوع بالانتقال من النموذج الريعي الذي انهار واستنزف البلد ومقدراته إلى بناء اقتصاد منتج يركز على الصناعة والزراعة والتكنولوجيا الحديثة ويمكن بالبدايات الوطنية المتواضعة تأسيس مسارات جديدة مجدية وذات نتائج عملية قريبة وبعيدة ولا بد في هذه الظروف من الانتباه إلى مخاطر الوصفات التقليدية التي تكررها بيوت الخبرة الغربية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي فهي لاتخدم سوى تثبيت الهيمنة الغربية واولوياتها المناقضة لمصلحة اللبنانيين وليس صحيحا ان في هذا التقدير حكما مسبقا أو غيبيا على اعتماد تلك الطرق سبيلا لمواجهة المأزق وفي التجارب عينات كثيرة لخراب بلدان من اعتمدوا الاستشارات المضللة والمشبوهة.

رابعا اظهرت حكومة الرئيس حسان دياب جدارة عملية في إدارة الأزمات بموارد قليلة بل وشبه معدومة وهذا ما يؤهلها لنقل البلد من الضائقة والشح إلى مسار الإنتاج والتقدم إذا وضعت خطة واقعية بأهداف متواضعة تفتح طرق تنمية الثروة وإحياء الموارد والسير في طريق التعافي الاقتصادي وهو ما يتطلب الانطلاق بالقدرات الاستثمارية وبالكفاءات البشرية العلمية والتقنية وبالمشاريع والمؤسسات القائمة على صعيد القطاعين الصناعي والزراعي لتطوير الطاقة الإنتاجية ومراكمة التغييرات الهيكلية المناسبة للبنيان الاقتصادي الذي شوهته الريعية وقضت على فرص توازنه ونموه الحقيقي لصالح المضاربة العقارية والمالية واستهلاك الموارد وتحويلات المغتربين في سندات الخزينة.

خامسا يحتاج لبنان إلى شراكات خارجية تمويلية تسهم في تطوير القطاعات  المنتجة وتوفير فرص جديدة لتنمية الزراعة والصناعة من خلال منصات مصرفية متخصصة بالانتاج والتسويق تسهم في بناء خريطة جديدة للصادرات اللبنانية بالاشتراك مع المنتجين اللبنانيين وهنا يستدعي الأمر شراكة واسعة ترعاها الحكومة وتقدم لها التسهيلات والاعفاءات.

لا ينبغي ان تهاب حكومتنا فتح قنوات التعاون مع الشرق الواسع خشية الغضب الأميركي المعلوم فالمصلحة اللبنانية تتطلب جرأة واقداما في طرق جميع الأبواب المتاحة وفي البحث عن الشراكات الممكنة بلا أي محظور إلا ما يضر المصالح الوطنية ويسيء إليها وفي ظرف لايحتمل التردد لأي اعتبار كان.

خطة التحضير لما بعد كورونا يجب ان ترسم ملامحها من اليوم وعلى قاعدة تطوير الإنتاج واستنفار الكفاءات وحشدها واحياء الموارد وتأسيس توازن جديد في هياكل الاقتصاد اللبناني.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى