بقلم غالب قنديل

الأوهام حول “اليسار” الصهيوني والأميركي

غالب قنديل

خلال العقود الأخيرة اعتاد الجمهور العربي على متابعة أخبار الحملات السياسية والانتخابات الأميركية والصهيونية بلهفة وحماس كبيرين وتراكمت في السياق انطباعات ومسلمات بسذاجة الرهان على أسماء واحزاب في قلب السباق بدافع من فكرة التعاطف مع القوى “الأقل سوءا” من القوى الاستعمارية والمتطرفة رغم أن التجربة برهنت على أنها القوى الأشد خبثا وخداعا.

 

 اولا رغم ان التجربة التاريخية برهنت على ان القوى والأحزاب التي تمنى الجمهور العربي انتصارها في السباقات الانتخابية ليست متمايزة سوى في الشكل الخطابي عن سواها بل إن التلاوين “المعتدلة ” الخادعة أخفت أبشع الخيارات وأشدها بطشا في منظور المصالح العربية الجوهرية سواء من زاوية الصراع العربي الصهيوني ام من زاوية قضية التحرر العربي من الهيمنة الاستعمارية الغربية.

يكفي النظر إلى دور حزب العمل الصهيوني التاريخي في اغتصاب فلسطين وتأسيس الكيان الصهيوني وفي العديد من حروب اسرائيل ومجازرها المتنقلة التي شملت فلسطين ولبنان وسورية ومصر والعراق ويغني عن البيان التمعن في الدور الرئيسي للإدارات الديمقراطية الأميركية في الغزوات الاستعمارية وحروب الاحتلال واللصوصية والنهب والقتل الجماعي للعديد من البلدان العربية وفي العشرين سنة الماضية بالذات.

ثانيا الغزوة الاستعمارية التي قادتها  إدارة جورج دبليو بوش باحتلال العراق وأفغانستان استكملتها إدارة باراك اوباما بالحرب على سورية واليمن وقامت برعاية حملات اغتيال وقتل وتدمير صهيونية شرسة عابرة للحدود ضد قوى المقاومة ومحورها في المنطقة لحماية الكيان الصهيوني وقد قدمت وفق بيانات الحزب الديمقراطي ومرشحيه دعما استثنائيا للكيان الصهيوني لم يحظ به من قبل بالأرقام والوقائع.

 الحقيقة التي تطمسها وسائل الإعلام العربية هي أن تلك التباينات السياسية الظاهرة داخل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وسائر دول الغرب تقوم بدوافع ومحركات اجتماعية وسياسية داخلية لا تمس حقيقة الهيمنة والنهب والاحتلال في النظر إلى الشرق العربي كمنطقة نفوذ استعماري يمثل فيها الكيان الصهيوني قاعدة مركزية لشن الحروب وقد بلغ الاندماج العسكري والسياسي والمالي بين الكيان الصهيوني والإمبرطورية الأميركية درجة عالية التضخم باتت معها هيئة الأركان الأميركية المشتركة مرجعية التخطيط والقيادة في الحروب الصهيونية الأخيرة كما برهنت حرب تموز في لبنان وحروب غزة ومسارات العدوان الاستعماري على سورية.

ثالثا أسهمت في تسويق الوهم حكومات الرجعية العربية التابعة ومجموعات من القوى والأطراف المرتبطة  بالدعاية الأميركية عن الليبرالية والحوكمة وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد والتطبيع  وهي المنتجات الأميركية والغربية الموجهة إلى البلاد العربية.ومن أخطر الأبواق المشبوهة واجهات يسارية محلية في فلسطين المحتلة روجت لأوهام كثيرة وخطيرة حول ما يسمى بالمواطنة داخل الكيان الاستيطاني الصهيوني فحولت قضية فلسطين إلى لوائح مطلبية لتكتلات وقوى خاضعة تتسول من المحتل بعض التحسينات في شروط العيش وهي جماعات طامحة لقبولها في مؤسساته السياسية التمثيلية وتنافح في الاحتكام لقوانينه وقواعده بدلا من التأكيد على التناقض الوجودي مع الكيان الصهيوني الاستعماري الاستيطاني الذي لا تصلح في التعامل معه سوى المقاومة الشعبية والمسلحة طريقا لتحرير الأرض المحتلة بعدما نفقت وتجيفت أوهام التسويات السلمية الأميركية المتعاقبة منذ مشروع روجرز بعد حرب حزيران 1967.

ثمة فرق كبير بين متابعة ورصد التناقضات السياسية داخل الكيان الصهيوني والإمبراطوية الأميركية في سياق فهم ادق لكيفية إدارة الصراع ضد الحلف المعادي وبين تعميم الوهم والرهان على أطراف تلك التناقضات فالجوهري والرئيسي هو أننا في صراع مصيري وجودي ضد منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية لن يبدل فيه وفي جوهره تبدل الوجوه والجماعات الحاكمة في واشنطن أو تل أبيب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى