بقلم غالب قنديل

مؤشرات في معارك إدلب

غالب قنديل

يبدو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عالقا مع نظام الحكم الأخواني واطماعه الإقليمية في زاوية ضيقة منذ القرار السوري المدعوم سياسيا وميدانيا من الحليفين الروسي والصيني ومن الشريك الإيراني والمقاومة اللبنانية  بانطلاق معارك تحرير إدلب التي تشهد مجددا لشراكة الدم والتراب في الدفاع عن الشرق.

 

اولا ظهر أردوغان بعنجهيته وغطرسته الغليظة عندما طالب بإرجاع الجيش العربي السوري إلى الوراء على ترابه الوطني وضمن نطاق سيادته الوطنية التي سبق للرئيس التركي ان وقع عشرات البيانات عن احترامها بنتيجة لقاءات مشتركة مع روسيا وإيران حول سورية.

نكل الرئيس التركي بجميع الاتفاقات والتفاهمات التي تلزمه بتفكيك جماعات القاعدة وداعش متعددة الجنسيات التي تجمعت في محافظة إدلب بخليطها المهزوم القادم من جميع المناطق السورية نتيجة مصالحات التفكيك والاحتواء وخفض التصعيد التي أعقبت معارك ضارية وهو يعرض مصداقية روسيا ورئيسها للاهتزاز عندما يرفض الانصياع للاتفاقات التي انبرى الجيش العربي السوري وحلفاؤه لفرض تطبيقها بالقوة فجميع المعارك التي تخاض اليوم وفق المصادر السورية تستهدف تحرير الطريقين الدوليين بين حلب ودمشق وبين اللاذقية ودمشق وهما يجتازان أريافا من حلب تم تحريرها وأريافا من إدلب هي ميدان قتال وكان يفترض تسليم الطريقين للدولة السورية بعد نزع السلاح الثقيل من يد الفصائل التي تعهدت تركيا بفصلها عن الإرهابيين.

ثانيا  كرر أردوغان فعلته الحمقاء بتحدي روسيا دون التعلم من التجربة المؤلمة التي لقنه فيها الرئيس بوتين درسا قاسيا فقد لوح باستدراج تدخل عسكري اميركي وطالب بدعم قوات الناتو لعملياته العدوانية في إدلب رافعا من وتيرة تهديداته لروسيا التي انخرطت قواتها الجوفضائية في العمليات إلى جانب الطيران الحربي السوري بينما اعلنت روسيا عن توجه بوارج مزودة بالصواريخ المجنحة إلى سواحل سورية وهي إشارة ترمز إلى قرار موسكو بتعجيل الحسم العسكري الميداني لصالح الجيش العربي السوري.

لغة التهديد الخرقاء تحفز روسيا لتكون أشد حزما عندما تصبح القضية مرتبطة بهيبة الدولة العظمى وعندما توضع مصداقيتها في الميزان عبر التهديد بالتدخل الأميركي الاطلسي الذي ينم عن جهل كبير وعمى استراتيجي وانعدام فهم المعادلات المتغيرة في العالم وهذا التهديد كان إغلاقا عنيفا وغبيا لرهانات واسعة في طهران وموسكو على استمالة انقرة بعيدا عن المعسكر الأميركي.

ثالثا الردود الفاترة على استغاثة أردوغان من واشنطن وبروكسل كانت صارخة وهي خيبت آماله وفضحت مناوراته امام الرأي العام التركي القلق والمتغير والحائر امام مغامرة عسكرية مكلفة لاتغطيها أي مبررات مقنعة سوى اطماع حكم الأخوان ورغبة اردوغان في تثبيت نفوذ إقليمي يترجم انتقامه من الرئيس بشار الأسد الذي حافظ على لغة حريصة ودافئة اتجاه الجيش والشعب في تركيا رغم أنه سبق ان تعرض لطعنات غادرة كانت من اخطر المساهمات الإقليمية لأردوغان في خطة تدمير سورية بأمر اميركي صهيوني اطلسي وبشراكة عربية معروفة.

باب المشاركة التركية في مباحثات استانة وسوتشي كان فرصة فتحتها الدلوماسية الاحتوائية الروسية والإيرانية وتعايشت معها دمشق التي ثابرت على موقف مبدئي صارم من التدخلات العسكرية التركية  وفي اواخر شوط طويل من التحايل والتذاكي والدجل السياسي تورط أردوغان في نسف الجسور وإدارة الظهر وفشل مرة اخرى في وضع روسيا وإيران امام الاختيار بينه وبين الرئيس بشارالأسد الحليف الاستراتيجي المبدئي والصلب.

رابعا بينما يواصل الجيش العربي السوي عملياته ويزحف ضمن الخطة المرسومة لتطبيق الاتفاقات المعطلة بالقوة وحيث يمكن ان يقوده الانهيار المتتابع لمعاقل العصابات إلى الاندفاع حتى الحدود التركية السورية بوقت أقصر من المتوقع صعد أردوغان من نطاق تدخله العسكري.

يظهر الجيش العربي السوري حزما واضحا في مجابهة العدوان التركي المكرس لحماية فلول الأخوان والقاعدة وداعش المستنزفة والمنهارة وهو بذلك يوجه رسالة قوية حول مستقبل العلاقات الثنائية التي تريدها دمشق على أساس احترام متبادل للسيادة الوطنية بروح الجوار والأخوة والمصالح المشتركة وحيث تقوم سورية مع حلفائها بتأديب الغدر العثماني والتطاول الأردوغاني لترسي القواعد المنشودة في أي علاقة عربية تركية سليمة وبناءة.

تتبدى المفارقة في الصمت العربي الرسمي المشين وفي بيانات الجامعة العربية التي استصدرت بطلب اميركي ضد عمليات الجيش العربي السوري في محافظة إدلب وفي ظل الكثير من الكلام المصري والخليجي عن خطر التدخلات والأطماع التركية بينما لم تصدر كلمة تضامن مع الدولة العربية التي تتصدى لهذا الخطر بأرواح جنودها وضباطها مع رفاق السلاح من محوري المقاومة ومناهضة الهيمنة وهي كانت وما تزال  ضحية تآمرهم البشع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى