بقلم غالب قنديل

أوهام انتظار التسويات مجددا

غالب قنديل

ينبعث الوهم حول مآلات الصراع والتناقض العاصف في المنطقة وافتراض الانتقال المحتمل إلى تسويات وتفاهمات دولية إقليمية من خلال صيغ جديدة للتعايش السياسي بين المحورين الكبيرين المتصارعين ويفترض البعض ان ذلك ما سوف تنتجه المعارك الدائرة التي تعكس في الواقع جذرية التناقض الوجودي بين القوى المتصارعة.

 

أولا محور الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية لا يتردد في اختبار جميع ادواته ساعيا لتجديد هيمنة تزعزت وتصدعت دعائمها بنتيجة تعاظم القدرات الدفاعية لمحور المقاومة التي تصدى بها لغزوة استعمارية مستمرة منذ احتلال أفغانستان والعراق وحروب صهيونية فاشلة أدارها الحلف الطلسي وسائر اطراف منظومة الهيمنة ضد غزة ولبنان .

فرض محور المقاومة توازنات ومعادلات كسر بها اندفاعات الغزو الاستعماري وحروبه وقد بدا واضحا مقدار الشراسة في سلوك الإمبراطورية الأميركية ودول الغرب والملحقات الإقليمية المختلفة في جريمة اغتيال الفريق سليماني والقائد المهندس ولم يكن ذلك الفعل الوحشي بالطريقة التي تم بها مجرد انقلاب على قواعد سياسية وعسكرية تم ارساؤها في حاصل سنوات من الكباش وتجميع الأوراق وخوض الصراع البارد والساخن على مساحة المنطقة.

ثانيا من الواضح أيضا ان العقوبات الاقتصادية والمالية الضارية التي يفرضها الأميركيون ألحقت أضرارا ونتائج لايستهان بها في بلدان المحور وحققت اختراقات سياسية داخل بلدين رئيسيين هما لبنان والعراق عندما اقترنت الضغوط بتحريك ثورات ملونة تديرها شبكات افتراضية ومنظمات واجهية استعملت شعارات محاربة الفساد ورفع المظالم الاجتماعية فاستخدمت مؤشرات وشواهد واقعية في تجنيد قطاعات شعبية ضد سلطات المساكنة السياسية التي ترنحت بتدبير أميركي وغربي محكم لفتح أبواب الانهيارات الكبرى وولدت حالة من الفراغ السياسي بينما سعى اطراف محور المقاومة وحلفاؤه المحليون لاحتواء النتائج بدعم حكومات التكنوقراط.

ثالثا على الرغم من آثار الحصار والعقوبات تظهر قدرات محور المقاومة في سورية واليمن فاعلية كبيرة في حلقات هجومية مدروسة من ضمن الدفاع الاستراتيجي الهادف لدحر العدوان والاحتلال ويفتضح عجز محور الهيمنة وتآكل واهتراء القوى المحلية المرتبطة به واستنزاف قدراته الهجومية ويبدو بكل وضوح أن قوى المقاومة والتحرر استطاعت مراكمة إنجازات وانتصارات مهمة ففي سورية يمكن توقع مسار جديد للتطورات في حصيلة المعارك الجارية التي يخوضها الجيش العربي السوري في الشمال سيرتب نتائج حاسمة في مستقبل العلاقات التركية العربية بفضل التناغم الواسع بين سورية وحليفيها الروسي والإيراني بينما ستتكفل النتائج المنتظرة في اليمن بتداعيات كثيرة في الخليج سياسية وعسكرية واقتصادية.

رابعا إن من يدرس المسارين اليمني والسوري يستطيع استنتاج ان اكتمال نضج التوازنات الجديدة وتبلورها يقتضي المزيد من الوقت والتضحيات لفرض التغييرات المنشودة في الميدان ولظهورها في وقائع سياسية جديدة وهذا الأفق واقعي جدا وموثوق تحققه وفق مؤشرات الواقع الجاري بتراكماته لكن ذلك لن يفضي بالضرورة إلى إنتاج تسويات جديدة كما يامل المنتظرون في توقعاتهم فالحقيقة ان المعركة بين إيران والحلف الاستعماري الغربي بقيادة الولايات المتحدة مستمرة والصراع بين روسيا والصين وإيران من جهة والولايات المتحدة من جهة اخرى على مستقبل المنطقة والعالم مستمر ومتجذر وحدي في محتواه وتعبيراته وهو صراع يطال مستقبل معادلات السيطرة على الثروات والأسواق وطرق التجارة وانتقال الأموال والبضائع في العالم كله وبفعل ميزة توازن الرعب النووي تتحول الصراعات الإقليمة والقارية المتنقلة إلى ميادين تجاذب وتنافس بين سائر القوى الكبرى الجديدة والقديمة.

خامسا لاينبغي في هذا المشهد إهمال المركزية التي يمثلها الكيان الصهيوني في الخطط الاستعمارية للمنطقة ومن هنا ينشأ بعد رئيسي محفز لشراسة الغرب الاستعماري في تعامله مع بلدان محور المقاومة وبالذات في ساحات المساكنة التي يضعها تحت سكين الخراب دفعة واحدة مستخدما شتى الوسائل الاقتصادية والمالية والسياسية والمخابراتية والثقافية لخوض الصراع كما تبين أحداث العراق ولبنان وفي فترات الهدوءالخادع ينبغي البحث عما يعده الغرب بقيادته الأميركية وبالشراكة مع الكيان الصهيوني في الفصول اللاحقة للضغط والاستهداف.

في ضوء هذه الحقيقة يتحول الانتظار السياسي هدرا للوقت في غير محله ارتقابا لتسوية كبرى بين إيران والولايات المتحدة لايدل أي شيء على إمكان حدوثها ومن هدر الوقت أيضا أي تعويل على انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية وبكلمة صريحة لاشيء غير الإدارة الجيدة للصراع والتغيير الفعلي للتوازنات يمكن ان يجدي وهذا معناه تدعيم قدرات المحور المقاوم وقواه في سورية واليمن والاستعداد لمواصلة القتال وتوفير مستلزماته السياسية والتعبوية والاقتصادية والعسكرية بالشراكة مع الحلفاء في حلف مناهضة الهيمنة وخصوصا روسيا والصين وهو يعني مراجعة نقدية شجاعة لكيفية إدارة الصراع في العراق ولبنان ورسم سياسات جديدة ولا يفي بالغرض مجرد الترداد المستمر لفكرة وشعار طرد القوات الأميركية من الشرق التي يتبناها المحور منذ اغتيال القائدين سليماني والمهندس بل السعي الميداني والسياسي والإعلامي لترجمة هذه الفكرة وشق مسارها الفعلي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى