بقلم غالب قنديل

الشارع والمجلس النيابي والثقة

غالب قنديل

طغت جماعات الشغب المنظم على مناخ الشارع تحت عنوان منع جلسة الثقة بينما انكفأ حراكيو المطالب المعيشية والاجتماعية وبانتظاران تقدم المؤسسات الأمنية صورة واقعية معلنة للقوى المحركة التي نظمت الشغب في وسط بيروت وسعت بالعنف العبثي  والتخريب إلى منع انعقاد الجلسة النيابية المقررة لابد من الإشارة إلى أن النجاح في تأمين النصاب كان إنجازا مزدوجا للجيش والقوى الأمنية بعد قرار مجلس الدفاع الأعلى وللرئيس نبيه بري الذي أثبت بوضوح إمساكه بخيوط اللعبة البرلمانية والسياسية داخل السلطة التشريعية.

 

أولا الحدث النموذجي الذي قدم البرهان على عبثية العنف ووظيفته في دحرجة الفوضى كان الاعتداء على النائب سليم سعادة الذي يعرف المتابعون والعارفون منهجيته الناقدة للنموذج الريعي منذ التسعينيات وهو في عداد أقلية من النواب الذين ساروا عكس السير واعترضوا طريق المديونية المتضخمة والطابع الريعي للنظام الحريري الذي حكم البلاد وكان سواهم يسبحون بحمده بألف ذريعة ولو كان من في الشارع ينشدون التغيير الحقيقي لكان الطبيعي ان يحرصوا على وصول الدكتور سليم سعادة إلى الجلسة بصوته المرتفع في وجه النظام الذي يحتجون على استمراره ولايطرحون بديلا فعليا عنه.

جماعات الشغب المنظم تختفي داخل عباءة الاحتجاج وتستر تقلص الجموع بعباءة فضفاضة تؤمنها التغطيات الإعلامية والمبالغات المنظمة في البث الحي المتضمن عشرات التجاوزات المهنية غير البريئة لنسج صورة افتراضية عن ثورة مستمرة بينما فقدت التجمعات  والاعتصامات والتحركات زخمها العفوي بكل وضوح وتحولت حواجز قطع الطرق إلى منصات منظمة للاعتداء على المواطنين العابرين أحيانا كما حصل أمس في محيط وسط بيروت وقام قاطعو الطرقات بتوجيه الإهانات للعابرين ومحاكمتهم على انكفائهم عن الشوارع وعزوفهم عن النزول إلى الساحات وهكذا انتقل ” الثوار ” إلى شتيمة شعب يدعون النطق باسمه وهم يرددون عبارات يائسة ومحبطة.

ثانيا داخل مجلس النواب كانت معركة اكتمال النصاب هي التحدي ليس فحسب مع قاطعي الطرق بل أيضا مع القوى السياسية التي تعهدت للرئيس نبيه بري بحضور نوابها ثم نكلت بالتزامها  صباح امس وقد أثبت الحلف الداعم لحكومة الرئيس حسان دياب قدرته على تأمين العدد الكافي من الحضور النيابي لعقد الجلسة وبدت محاولات الطعن بالنصاب مفتعلة عندما ردت مصادر الرئاسة الثانية فورا على كذبة إعلامية عن إعلان افتتاح الجلسة المقررة قبل توافر العدد الكافي داخل قاعة المجلس وهو الأمر الذي فرض على ناكلي وعودهم لبري ان يتقدموا لاخذ مقاعدهم داخل القاعة وان يحجزوا ادوارا لكلماتهم التي اخذ بعضها على الحكومة استعادة بعض عبارات بيانات الحكومات السابقة التي كانت حكوماتهم فعليا.

ظهرت في حلف الثامن من آذار ثغرات الحساب المتفرق للمواقف رغم حراجة الظرف والتحدي الكبير وطنيا وسياسيا للتحالف العريض الذي اخذ على عاتقه دعم فريق حكومي اختصاصي غير حزبي انتدب نفسه للتحدي الأخطر والأدق على الصعيد الاقتصادي والمالي منذ العام 1993 وهذا امر يطرح الكثير للنقاش حول طرق تنظيم هذا الحلف وتعزيز تماسكه لأنه سيكون امام تحدي المشاركة الجادة في تحصين الحكومة ومواكبتها ومؤازرتها.

ثالثا رسخ الرئيس حسان دياب صورته كرجل دولة رصين وهاديء يحدد الأهداف والأولويات  بشكل مباشر ويتجه نحوها وهو ما يعول عليه كثيرا في تجربته الجديدة كرئيس لمجلس الوزراء في ظرف غير عادي وقد كانت لافتة ملاحظته المعبرة انه ورغم فداحة الكارثة الحاصلة لم يتقدم احد في الجلسة ببيان حول مسؤولية النهج الذي اوصل البلد إلى المأزق المالي والاقتصادي الخطير بل تعامل البعض مع الحكومة الجديدة القادمة من خارج النادي التقليدي للسلطة وكأنها المسؤولة عما جرى منذ ثلاثين عاما.

مع انطلاق الحكومة إلى ممارسة مهامها تنطلق مهلة المئة يوم الأولى وينتظر اللبنانيون إجراءات وخطوات عملية لوقف الانهيار وهي ستواجه ضغوطا خارجية وداخلية تتطلب من الفريق السياسي الداعم لها الحضور والاستعداد للاحتضان والدعم في الدفاع عن الخيارات الإنقاذية والشراكة التامة في بلورة القرارات الممكنة والتفكير الجدي بوضع جميع المسارات والبدائل على الطاولة وتعبئة الرأي العام يمضمونها وجدواها خصوصا في الاستجابة لمصالح لبنان المشتركة مع سورية والعراق وتحريك مسار جديد على علاقات لبنان الشرقية في وجه مؤشرات الابتزاز الأميركي والغربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى