بقلم غالب قنديل

لبنان والتحدي الأميركي

غالب قنديل

في أحسن الأحوال وعلى افتراض القبول الأميركي لصيغة التعايش مع حلف المقاومة من خلال الحكومة اللبنانية الجديدة سوف تمسك الولايات المتحدة بطرف الحبل المشدود وهي تتجه إلى متابعة معركتها ضد محور المقاومة في المنطقة بينما يبدو العراق ساحة المجابهة الأولى المرجحة بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال الأميركي وقد شرعت تتبلور ملامحها السياسية والشعبية بعد مليونية  ترحيل القوات الأميركية التي أظهرت حجم الاستقطاب الشعبي العراقي حول قضية التحرر الوطني.

 

أولا تقع في صلب الصراع بين العراقيين وقوات الاحتلال الأميركي قضية فتح الحدود مع سورية واتفاقية عادل عبد المهدي التي وقعها مع الصين وهذا معناه ان واشنطن تحظر على بلدان الشرق العربي التوجه شرقا والانفتاح على الصين وإيران وروسيا بل وحتى هي تمنع عليهم التعاون في ما بينهم وفتح الحدود بين بلدانهم بقصد التعاون والشراكة.

الرواية الصحافية المنقولة في العديد من وسائل الإعلام والمواقع الأميركية على لسان رئيس الوزراء العراقي المستقيل هي ان دونالد ترامب اتصل به فور عودته من الصين وهدده مباشرة وسرد عبد المهدي بعض الوقائع في كلمته أمام مجلس النواب العراقي التي أشار فيها إلى الرفض الأميركي لتنفيذ تعهدات سابقة موقعة  رسميا مع واشنطن حول إعادة بناء العراق وتأهيل بنيته الأساسية وجرى النكول بها وقد ورد في الكلمة : “لهذا السبب زرت الصين ووقعت اتفاقًا مهمًا معهم لإعادة  البناء. عند عودتي اتصل بي ترامب ليطلب مني رفض هذا الاتفاق. عندما رفضت هدد باشعال مظاهرات ضخمة ضدي من شأنها أن تنهي رئاستي للوزراء.

تجسدت المظاهرات على النحو المطلوب، وهدد ترامب مرة أخرى انه إذا لم أمتثل لمطالبه، فسوف ينشر القناصة من مشاة البحرية على المباني الشاهقة لاستهداف المتظاهرين وأفراد الأمن على حد سواء من أجل الضغط علي. لقد رفضت مرة أخرى وسلمت استقالتي، حتى يومنا هذا، يصر الأمريكيون على إلغاء اتفاقنا مع الصينيين “.

ثانيا السؤال الجوهري المطروح على القوى الداعمة للحكومة اللبنانية الجديدة التي تنتظر ضخ سيولة إسعافية بالمليارات لاحتواء نتائج وتبعات الانهيار المالي والاقتصادي الخطير وسوف تجري اتصالاتها بهذا الشأن مع جهات دولية وأجنبية وعربية ليست بعيدة أبدا عن تأثير دوائر التخطيط والقرار الأميركي.

السؤال يتعلق بمدى تجاوب الاتحاد الأوروبي وحكومات قطر والإمارات والسعودية مع الطلبات اللبنانية للمساعدات المالية وما هي الشروط السياسية والاقتصادية المرفقة باحتمال التجاوب ورغم الوعود الأولية التي رددتها بعض مراكز القرار الغربية كالرئيس ماكرون وتناقلها السفراء والممثلون المنتدبون في بيروت ستبقى العبرة في التفاصيل والشروط بينما لا يطال النقاش المحلي مروحة البدائل المتاحة امام الحكومة اللبنانية في حال سدت الطرق إلى تلك الجهات بقرار اميركي يصعب تخيل خروج تلك الحكومات عن طاعته كما جرت العادة وهي لا تمتلك أصلا هوامش استقلال حقيقية عن المشيئة الأميركية بمن فيها دول عظمى كفرنسا وبريطانيا وألمانيا والدليل في تجربة الاتفاق النووي الإيراني.

ثالثا يرجح المتفائلون بالتجاوب الغربي والخليجي وجود رغبة اميركية بمنع انهيار شامل وبإبقاء لبنان في حالة استنزاف وانتظار من خلال ضخ قدر محسوب ومشروط من المساعدات الإسعافية بانتظار حسم الصراع الكبير في المنطقة وعبر تكبيل المقاومة وحلفها السياسي داخل لبنان لأطول فترة ممكنة بمراعاة حاجة الحكومة للوقت وللمساعدات المحتملة وبالتالي الابتعاد عن المواقف التي تعتبرها واشنطن استفزازا عدائيا وهذا ما يحتمل أن يكون موضع رهان أميركي على تجميد الفعل السياسي الإقليمي للمقاومة اللبنانية وهو ما كان موضع شكوى في جميع القراءات الأميركية لوضع المنطقة والصراع الكبير الدائر حول مستقبلها بين الغرب الاستعماري والشرق الصاعد.

ينطوي هذا الرهان على فرضية العودة إلى تعايش المحورين في حكومة لبنانية تجدد الضوابط التي قبلها الطرفان في الحكومة السابقة وبممثلين جدد للفريق الأميركي الغربي والخليجي تم اختيارهم من خارج النادي السياسي التقليدي وربما يجد الغرب في ذلك فرصة لتجديد نفوذه السياسي في لبنان كما يعتقد البعض.

رابعا تشير الوقائع السياسية المحلية إلى مخاطر معركة شرسة قد تخوضها القوى الرئيسية الفاعلة التي خرجت من السلطة السياسية وهي تراهن على تجديد اعتمادها لدى الغرب والخليج من خلال استهداف المقاومة ومحورها ومنع الحكومة الجديدة من الإقلاع كما تبين مؤشرات كثيرة لوجهة تحريك منصات حراكية مخطوفة ومجموعات مستتبعة من انتفاضة 17 تشرين ويخشى أن يعتمد الأميركيون وفريقهم أسلوب “دعهم يتصارعون ولننتظر النتائج ” طالما تدور المنافسة على طلب الرضى الأميركي.

لا يتحدث أحد في لبنان عن البرنامج البديل ويسود انتظار الترياق من الغرب والخليج بمساعدات محتملة لا تتخطى حدود المسكنات وستأتي ملوثة بشروط وصاية واستتباع اقتصادية وسياسية خطيرة ورغم تبلور معالم البرنامج البديل في أحد خطابات قائد المقاومة خلال الفترة الماضية لكن احدا لم يحوله إلى مادة سياسية او إعلامية لتعبئة قوة شعبية قادرة على التأثير وإدارة الدفة شرقا حيث يمكن البحث عن الانفراجات والحلول من عبور بوابة المصنع الحدودية نحو سورية وطرق المعابر السورية العراقية بعد جولة الرئيس دياب الخليجية ولقاءاته مع سفراء الغرب فهل تفعلها الحكومة الوليدة ؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى