بقلم غالب قنديل

التفكير الجديد وطريق الخلاص

غالب قنديل

لم يكن ممكنا لأي مزارع اوروبي ان يسابق القطار بحصانه عندما انطلقت الثورة الصناعة ولا للإسكافي الإيطالي ان ينافس معامل صناعة الأحذية وآلاتها التي تنتج كميات هائلة من سلعته على مدار الساعة.

 

هذا مثل مستعار لمخاطبة العقول المستلبة بالنماذج الغربية لتقريب فكرة التحول النوعي الضخم الجاري على صعيد منطقتنا والعالم والذي يتطلب رؤية جديدة تتخطى لغة الهجاء الأخلاقي الساذج للنموذج الريعي الذي هو نمط عيش وطريقة حياة قامت على التبعية السياسية الاقتصادية المحكمة  للغرب والتي تلفحت طيلة عقود بمزاعم وهمية تغلف مزاعم فرادة النموذج .

تسقط الفهلوة اللبنانية مجددا في الامتحان امام التحولات الضخمة الجارية من حولنا وتستحق الدعوة إلى ثورة في منهجية التفكير والفهم امام الاستحقاقات بعد انهيار الفقاعة العقارية المصرفية التي أسكرت القوى والشرائح الهائلة المتعيشة على الريع في النمط الاستهلاكي التابع للهيمنة وقد صدمت منذ عشرين عاما بفشل محاولات استرجاع الزمن الذهبي لنظام الخدمات الذي انتعش وتوسع في عقود على وظيفة إقليمية في الترانزيت والخدمات والمصارف ولى زمانها ونشأت بدائلها الفعلية عندالدول التي استفادت منها وكانت تعتمد عليها.

اولا التصميم على إنعاش نموذج تابع ولى زمانه وانتهت قدرته على الاستمرار واستهلك معظم الفرص المتاحة يقود إلى نتيجة سياسية مؤذية هي الانقياد إلى فخ خطير يجعل البلد رهينة تكبلها قيود الهيمنة التي سحقتها أصلا وجففت تدفق الأموال بحصار شديد وحطمت قطاعها المصرفي الذي بات في محنة خطيرة سيصعب إخراجه منها وتجديد سمعته المفقودة وهو فخر “المعجزة اللبنانية” منذ عقود وقد تهاوت وانهارت بينما بعض الساسة والمتمولين يفركون عيونهم ويهربون أموالهم ثم ينكرون الكارثة التي بلغتها البلاد على أيديهم وهي مهددة بالمزيد.

ثانيا تاه اللبنانيون عشرين عاما في سكرة المضاربات وفوائد السندات العامة والفقاعة العقارية ومع استمرار تحويلات العاملين في الخارج أعمى معظمهم  اللبنانيين عيونهم قصدا عن الفرص الجديدة في الشرق وأصموا آذانهم عن فكرة التحول من الريع إلى الإنتاج الذي سحق حتى الرمق الأخير لصالح التوغل في الاستهلاك حيث تتربع شريحة وكلاء الشركات الغربية الشريكة مع نخبة مالكي المصارف التي رضخت بقوة القرار السياسي التابع لعقوبات الاغتيال الأميركي التي نالت من مئات آلاف المودعين الصغار وفرمت مصرفين مكرسين لأموال المغتربين المطاردين في المهاجر من قبل الاستخبارات الأميركية والصهيونية والأوروبية التابعة.

ثالثا كل ظرف تاريخي جديد يتطلب تفكيرا جديدا ويستدعي التحرر من الأفكار القديمة وتحولات الشرق الكبير بما تتيحه من فرص جدية للتنمية والتقدم تستحق ملاقاتها بإرادة استقلالية تحررية تنهي عهود التبعية لمنظومة الهيمنة ومن المستحيل افتراض القدرة على إحياء نموذج تبدلت شروط وجوده واستمراره واختلفت المرتكزات التي قام عليها دوره التقليدي في المحيط وليس ممكنا التعامل مع ازمته الخانقة بحصر النقاش والبحث في قواعد التوزيع الداخلي للريوع أو تهذيب أداء السلطة الحاكمة تحت شعار مكافحة الفساد لأن المشكلة أعمق وأبعد فالسؤال المركزي هو عن دور لبنان وموقعه في الشرق المتحول الذي نهضت فيه قوى جديدة تشق طريقها رغم الحصار الاستعماري وهي تتجه إلى التكتل والتشابك لتكون أقوى وأقدر امام التكالب الاستعماري.

رابعا التفكير الجديد الذي ندعو إليه في هذه الظروف يتمحور حول احياء الإنتاج نتاج والشراكات الواسعة مع المحيط التي تضمن أسواقا للمنتجات وفرصا واسعة للعمل والاستثمار المشترك وتكوينا ثابتا لدور إقليمي جديد داخل تكتل عربي شرقي ضخم من خلال الشراكة مع سورية والعراق وإيران والصين وروسيا حيث يمكن أن يتطلع اللبنانيون إلى ازدهار حقيقي باللحاق بمسيرة الحزام والطريق الصينية الضخمة من خلال تكتل عربي شرقي مع الجيران والأشقاء الأقربين .

خامسا تطول لائحة المزايا التي يمكن تحقيقها من خلال التوجه شرقا دون خسارة بوابات لبنان المفتوحة على التواصل الاقتصادي مع الغرب والخليج ولكن بشروط جديدة تناسب المصالح الوطنية وبعيدا عن الاملاءات السياسية المناقضة للسيادة.

التحول نحو الإنتاج والتوجه شرقا هو مفتاح الخلاص الحقيقي وردنا على من يقولون إن سورية والعراق وإيران أيضا تعاني من وطاة الحصار والضغوط إن توحيد جهودنا معا وشبك بلداننا يجعلنا أقوى في وجه قوى الهيمنة المتغطرسة ويرفع من قدرتنا على الصمود والبناء ويزيد من الفرص المتاحة لتطوير نمط جديد من العيش في بلداننا بفتح الحدود والأسواق والتحول إلى كتلة عربية شرقية يتشارك اطرافها الإنتاج والتسويق والتكامل في شتى المجالات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى