بقلم غالب قنديل

أفكار من خارج السلة الشائعة لبنانيا

غالب قنديل

يتفق الخبراء والباحثون بمختلف مذاهبهم على استنتاج ان الأزمة الراهنة في لبنان غير عادية ويبنى على ذلك ان سبل الخلاص يجب ان تكون استثنائية وبينما ينصب الاهتمام على السعي إلى حقن الإنعاش المالي من الغرب والخليج اللذين يضعان دفاتر شروط سياسية قاسية لأي مساعدة محتملة تضيق هوامش قدرتهما على المساعدة أصلا.

 

 

ان تشديد قبضة الهيمنة الاميركية واستهداف صيغة التعايش السياسي مع المقاومة كقوة تحرير ودفاع وطنية التي قامت منذ الطائف هو الغاية الفعلية للتعامل مع الوضع اللبناني تتويجا لمسار الضغوط والعقوبات المالية وتجفيف التدفقات المصرفية خلال السنوات الماضية وفي ظل الدور الأميركي المباشر بتفعيل منصات الثورة الملونة والتحكم بخيوط تحريكها.

 

أولا إن التحرر من عبودية وهم استمرارالنموذج القائم وقواعد عمله تفتح امامنا آفاقا واسعة لتنمية الثروة المحلية ولمعالجة المشكة الفعلية للنموذج المتهاوي وهي نضوب الثروة وتقهقر الإنتاج وأفول زمن التميز اللبناني المصرفي والتجاري والسياحي وبالأصل غروب الفورة النفطية التي صاحبت ازدهار قطاع الخدمات والترانزيت اللبناني في العقود الماضية بوظائف تشغلها حاليا بدائل محلية خليجية وإقليمية في الترانزيت والخدماتية المصرفية والمالية والسياحة وخدماتها وفروعها بينما دمر النموذج الريعي التابع منذ التسعينيات جميع الفرص الجدية للتنمية ولتخطيط دور اقتصادي جديد للبنان يناسب التحولات الهيكلية الضخمة التي جرت وتراكمت معها تغييرات جذرية خلال العقود الثلاثة الماضية.

 

ثانيا من موقع الانتماءالوطني والقومي والوفاء للتحالف المصيري مع الجمهورية العربية السورية ينبغي الاعتراف بأن القيادة السورية والقوى الوطنية اللبنانية أحجمت عن المبادرات التاريخية لتطوير التشابك الاقتصادي بين البلدين بعد الطائف وكانت الفرصة السياسية متاحة فعليا لكنها تهيبت الإقدام على عمليات تشبيك وشراكة مجدية للبلدين كانت ستشكل أرضية ثابتة للتحالف السياسي اللبناني السوري وتعرقل محاولات الانقلاب التي دبرها الحلف الأميركي السعودي وهذا ما دعونا إليه بعد الطائف مباشرة ولكن الإدارة السورية اللبنانية لملف العلاقات بين البلدين انصرفت إلى أولويات أخرى وانكفأت عن أي جهد في التشبيك الاقتصادي تحت ضغط فكرة تحاشي الاصطدام بالغرب وبمواقع نفوذه المتجذرة في التركيبة الاجتماعية السياسية اللبنانية والحصيلة كانت كما وصفها الرئيس بشار الأسد تلازم الفسادين في قلب تلازم المسارين الذي كانت أولوية القيادة السورية فيه ضمان حماية واستمرار المقاومة ورعايتها إلى جانب الجيش الوطني الذي أعيد بناؤه بدعم سوري حاسم.

 

ثالثا التفكير التحرري الجريء في المخارج الممكنة من الاختناق المتصاعد والمحتوم يقودنا إلى اقتراح التفكير بسوق لبنانية سورية عراقية مشتركة تكون شريكة لإيران وللصين وروسيا مع احتفاظ لبنان بعلاقاته مع الغرب والخليج على قاعدة الندية وتكافؤ المصالح مع إدراك أن ميزة لبنان الباقية من عزه المصرفي بعد الانهيار هي جيش من الخبرات الكفوءة التي يمكن أن تدير مرافق مالية ناجحة لاقتصادات الشرق الصاعدة وبينما يتفق العديد من الخبراء على فكرة ضرورة إعادة هيكلة القطاع المصرفي بعد الانهيار الحاصل الذي نسف المصداقية والثقة المكتسبة بالتراكم والتقادم فهذه العملية يجب أن تقودها وجهة جديدة ووظيفة مالية إقليمية جديدة بالشراكة مع سورية التي يعود لأبنائها قسط ضخم من الودائع المصرفية اللبنانية يتخطي الثلاثين مليار دولار في جميع التقديرات المتداولة وقد تحكمت به العقوبات الأميركية لحجبه عن عملية إعمار سورية بعد الحرب وكان ذلك جزءا من عملية إحكام الحصار على سورية ويمكن للقطاع المصرفي اللبناني أن يلعب دورا مهما رغم ذلك من خلال الشراكة مع سورية والعراق وإيران والصين وروسيا على صعيد المنطقة برمتها.

 

رابعا من نافل القول أن فرص العمل التي تتيحها الشراكة مع هذه البلدان وخصوصا مع سورية تمثل أحد المخارج الممكنة لآزمة البطالة المتضخمة مع تقلص الفرص المتاحة لهجرة الشباب اللبناني بحثا عن فرص العمل في الغرب والخليج بسبب الركود العالمي إلى جانب إمكانات جدية لتنمية الإنتاج اللبناني ارتكازا إلى التسويق الممكن للسلع الصناعية والزراعية اللبنانية في العراق.

 

لقد برهنت الاتفاقية العراقية الصينية حجم الفرص المتاحة لبلدان الشرق العربي في مبادرة الحزام والطريق وهو ما يحتاجه لبنان في إعادة بناء مرافقه العامة وفي الحصول على سكك الحديد والقطارات وشبكات الاتصالات الحديثة المتطورة وإعادة بناء الطرق العامة وتأهيل المرافيء وتحديثها وتنويع وظائفها بما في ذلك قطاع الصيد وثمة فرص وافرة للتصنيع في مجالات عديدة من خلال اتفاقات استثمارية تعقدها السلطات اللبنانية مع الشركات الصينية بصورة تتضمن قاعدة استيفاء التكاليف بحصة من العائدات التي تتبعها الصين مع جميع شركائها في العالم الثالث وهذا ما ينطبق على بناء مصافي النفط وإحياء انبوب كركوك طرابلس بالشراكة مع دمشق وبغداد.

 

خامسا إن النموذج الريعي التابع ينازع سكرات الانهيار وتسعى لتأبيده جميع القوى المتربعة عليه من احتكارات الوكالات التجارية التابعة للغرب والنخبة المصرفية المتحكمة بآلة مالية مكرسة لتحقيق المكاسب حتى في زمن الانهيار الخطير.

 

إنقاذ لبنان يقتضي شجاعة خوض معركة متوجبة بإرادة التحرر من الهيمنة وهي محفز لتفكير علني ونقاش متعدد المستويات بصورة جديدة وبروح الانعتاق من المسلمات البائدة وهذه هي الثورة الحقيقية القادرة على تلمس مخارج إنقاذية ونعيد التاكيد بالمناسبة ان خطاب التوجه شرقا الذي ألقاه قائد المقاومة هو الإطار السياسي الوحيد الذي يفتح تلك المسارات المتقدمة ومن هنا دعونا جميع الوطنيين لمناقشته وفهمه وتحويله إلى دليل عمل نضالي والسعي لبناء جبهة شعبية قادرة على فرضه لاسيما وقد دشن محور المقاومة والتحرر معركة طرد القوات الأميركية من المنطقة وتحريرها من اخطر ادوات الإخضاع والهيمنة والنهب اللصوصي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى