بقلم غالب قنديل

ماذا بعد العودة إلى المساكنة

غالب قنديل

يفرك بعض الحراكيين من اليسار عيونهم مذهولين امام تصدع الصورة الافتراضية التي رسموها عن انبعاث وعي شعبي جديد بعد انتفاضة 17 تشرين الأول المخطوفة وعودة الصراخ الطائفي والمذهبي في الشوارع وعبر الشاشات التي ساهمت في ترويج تلك الصورة الافتراضية على اوسع نطاق في أيام الانتفاضة الأولى قبل ان تكرس بثها لحواجز قطاع الطرق ولمفردات التحريض ضد حلف المقاومة السياسي وتحدي واستثارة جمهوره العريض .

 

الأكيد ان ما يتمناه أي عاقل ويرجوه هو ان يحدث ذلك التطور المنشود في وعي اللبنانيين وان ينتج عنه تبلور حركة شعبية عابرة للطوائف والمذاهب من موقع ادراك جدي لوحدة المصالح والتطلعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمستقبل عيشهم ولكرامتهم الوطنية التي تجسدها المقاومة.

ليست المشكلة الطائفية ناجمة فحسب عن أفكارمسمومة  لها من يروجها ويعتاش عليها ويراكم بها نفوذه في قاعدة اجتماعية تنعم بحصة من الريع يتيحها الحجم السياسي لممثلي المواقع الطائفية في شراكة السلطة.

بل إن الطائفية هي النتاج الفعلي لواقع سياسي أنشاه نمط العيش في ظل نظام ريعي تابع دمر الإنتاج وفرص النمو ولم تكن الصيغة الطائفية السياسية للنظام اللبناني سوى مجموع آليات وقواعد  توزيع الريوع المتاحة في نمط اقتصادي اختص بوظيفة الخدمات وفي السوق الاستهلاكي الخاضع لوكلاء الشركات الأجنبية بالكامل.

تلك هي البنية والوظيفة التي كرسها الغرب الاستعماري للإقتصاد اللبناني وقد تحولت جميع الخضات والصدامات الأهلية التي عرفها لبنان إلى فرصة لإعادة تقاسم الريع وإقرار قواعد جديدة من خلال التعديلات الهيكلية على معادلات انبثاق السلطة السياسية الطائفية في ظل الهيمنة الغربية التي اجتازت مرحلتي مساكنة أميركية مع القوى المناهضة للهيمنة في لبنان الأولى كانت في ظل الحقبة الناصرية وانتجت مشروع الرئيس الراحل فؤاد شهاب والثانية كانت بعد الحرب الأهلية من خلال معادلة الطائف والرعاية السورية بتفويض اميركي سحب فعليا بعد تحرير الجنوب وطرد الاحتلال الصهيوني عندما بدأ تحضير منصة الانقلاب الإقليمي الكبير الذي صدرت إشارته بعد غزو العراق.

المساكنة الأميركية مع المقاومة وحلفائها في قلب النظام اللبناني كما تكرست منذ اتفاق الدوحة هي حصيلة فعلية وواقعية لاستعصاء توازن دفاعي فرضه محور المقاومة وجعل التحكم الأميركي المطلق بواقع لبنان أمرا مستحيل التحقق لاعتبارات عديدة ومعروفة.

الواضح اليوم أن تفاعلات تصدع النموذج الريعي التابع تقود إلى واقع سياسي متحرك يسعى الأميركيون من خلاله لاختبار فرص تصعيد نخب سياسية جديدة ترث حلفاءهم التقليديين الذين فقدوا بريقهم الشعبي وسطوتهم وهذا تقليد أميركي ثابت في إدارة ساحات الهيمنة وحقولها في العالم الثالث وهو سر الاستنتاج الرائج عن البراغماتية الأميركية التي تبيح وتبرر التخلي عن أي حليف أمام حسابات المصالح الأميركية وقد قدمت ثورات الربيع مثالا عن قسوة التواطؤ الأميركي في إطاحة زعماء كانوا نموذجا في الامتثال لمشيئة واشنطن طيلة عقود واختبروا مرارة التخلي فالأولوية الأميركية الحاسمة هي تجديد الهيمنة وتثبيت قواعدها.

يبدو لبنان بعد تسمية الرئيس المكلف امام احتمال عودة المساكنة في حكومة جديدة يسعى إلى تشكيلها الرئيس حسان دياب ولابد من الالتفات إلى المخاطر التي كادت تهز السلم الأهلي بنتيجة عربدة من خسروا الرهان على التصعيد الأميركي لحملة استهداف المقاومة بعد ركوب الحراك الذي بات هو الثوب الفضفاض لجحافل الطامحين تحت الرعاية الأميركية ومعهم بعض الواهمين من أصحاب النوايا الحسنة الذين تم تهميشهم عمدا.

للأسف لم يقدم إلى الرأي العام اللبناني أي تحقيق امني او قضائي عن قطاع الطرق ومثيري الشغب وبينما تكاسلت الجهات المعنية عن هذا الواجب غشيت بصيرة الرأي العام برواية إعلامية مزورة أغرقتها الصفات المنحولة لمن تمت تسميتهم بالثوار والمحتجين وهم ليسوا سوى عناصر حزبية منظمة أرسلت في مهمات تقطيع الأوصال وتعطيل دورة الحياة الطبيعية ومفاقمة شل الاقتصاد ويمكن وضع رصيد الخسائر الاقتصادية والمالية للشهرين الماضيين وهي بالمليارات في وجه من ينكر هذه الحقيقة ليمارس الكذب والخداع المنظم بحق جميع اللبنانيين.

الأهم اليوم ان تكون لدى الفريق الوطني رؤية لمساكنة اكثر توازنا من الصيغة السابقة على صعيد البرنامج الحكومي والسياسات الفعلية التي سيتم تبنيها وهذا يفترض الإقلاع عن إدمان التكيف السلبي وجسارة اقتراح الخطوات والتدابير التي باتت جزءا من أي تصور إنقاذي ولا يكفي الشعور بزهو إحباط الانقلاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى