بقلم غالب قنديل

حكمة السيد والأولويات الراهنة

غالب قنديل

بعد خطاب برنامج الخلاص الوطني كانت كلمة السيد نصرالله الأخيرة مكرسة لمواكبة التطورات والمستجدات وخصوصا ما يتعلق منها بالملف الحكومي عشية استشارات التكليف وتطفو تساؤلات كثيرة صرح بها بعض اهل الخيار المقاوم عن مواقف الحلف الوطني العريض الذي يضم حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وسائر القوى والتيارات الوطنية في لبنان وخصوصا بعد الجدل والتداعيات الصاخبة التي اعقبت انتفاضة 17 تشرين الأول.

 

بعدما عرضه السيد بصدد الخيارات العملية المتاحة يتضح بقوة لمن يتمعن في الكلمة ومضمونها ان التوازنات الفعلية  في حسابات قائد المقاومة ورفاقه ليست ناضجة فعليا وإجرائيا لقيادة انعطافة جذرية بمستوى التغيير النوعي الذي كان محور خطابه السابق وحساب التوازنات وتوقيت الخطوات والمبادرات هو علم اتقنته المقاومة بجدارة طيلة العقود الماضية كما برهنت التجارب.

ليس صحيحا ان عبرة التجربة في التحرير والدفاع  لا تصح معيارا في مجابهة الانهيار والكارثة الاقتصادية أو ما يسميه بعضنا التغيير الذي يفصلونه تعسفيا عن مقارعة الحلف الاستعماري الصهيوني الذي شن حروب الغزو والاحتلال مباشرة وبالواسطة وقامت مقاومتنا بدحره وأبطلت خططه وتكتيكاته وأفخاخه وانتصرت عليه في معارك وجولات سطرت عبرها بطولات وامجادا لا تنسى بدماء وتضحيات لا تحد وهي راكمت حاصل وقوة دفاع ومناعة للوطن.

إن الجوهر الفعلي لما يجري يتصل جذريا بالمجابهة مع الحلف الاستعماري الصهيوني نفسه وهو صراع حول مستقبل لبنان وموقعه في الصراع الكلي على مستوى المنطقة والشرق الواسع بل وفي العالم وقبل ان يكون مرتبطا بالتفاصيل الاقتصادية والاجتماعية للواقع اللبناني فهو تجسيد لهذا البعد الاستراتيجي العميق.

النموذج الاقتصادي الريعي المتصدع هو احد مرتكزات الهيمنة الاستعمارية الغربية وفي توقيت كل ما شهدناه من تصعيد الضغوط وتفعيل الأزمات غاية مركزية هي إحكام قبضة الهيمنة الغربية اللصوصية واستهداف المقاومة أولا وأساسا.

في خدمة تلك الغاية انطلقت آلة إعلامية وسياسية تحريضية لتوظيف السخط الشعبي وقد فتح المخططون  مسارات متوازية واحتمالات متعددة منها مسار دحرجة الفوضى وإشعال حرب اهلية كانت دائما وما تزال خطا ثابتا للتخطيط الأميركي الصهيوني ضد المقاومة وقد تعاملت قيادة المقاومة بالصبر والوعي والخبرة لتحتوي المحاولات فأبطلتها وحمت البلد مرة تلو الأخرى.

يقوم الحلف الاستعماري الصهيوني كالعادة بإرساء قواعد تتيح له السير في اكثر من خيار ويحسم امره في ضوء المعادلات والتوازنات التي ترسو عليها ساحات الاشتباك وبعدما يفتح بوابات ومسارات متعددة وحتى لو كان يدرك مسبقا انه سيضطر لقبول تسويات في لحظة معينة بفعل عجزه المحتمل عن تحقيق الحد الأقصى من اهدافه.

 لا يعير المخططون الاستعماريون اهتماما لمصير ادواتهم المحلية التي يلقونها في بحر صاخب ومشتعل وقد يتخلون عنها في أي لحظة كما اوضح السيد في كلمته التي حملت رسائل عديدة لمروحة واسعة من الجهات والأطراف في الداخل والخارج وعكست وعيا عميقا للمخاطر ودعوة لتوحيد الجهود وتوسيع أفق الحسابات السياسية في بناء المواقف وفي التعامل مع التحديات والبحث عن الفرص.

خلال الأسابيع الماضية بذلت قيادة حلف المقاومة جهدا كبيرا ومكثفا في ضبط القواعد الحزبية والأنصار وتصويب ردود أفعالها لتدارك انزلاق الأحداث نحو صدامات اهلية تثيرها وتحفزها وتحرض عليها عملية قطع الطرقات وشتائم الفلتان الإعلامي المبرمج وهذا الجهد استند إلى وعي شعبي تبدى بوضوح في محطات عديدة ومشحونة والوصف ينطبق على جمهور سائر القوى الحليفة وخصوصا كل من حركة امل والتيار الوطني الحر اللذين استهدفا باستفزاز مقصود ومنظم وغير عفوي.

التصميم على حكومة الشراكة الواسعة في كلمة السيد هو من ادوات ابطال التوتر المذهبي والطائفي برفض خيار الانقلاب على الانقلاب والتأكيد على تجديد الشراكة الواسعة في مجابهة الأزمة ورفضا حازما لكل إقصاء أو إلغاء سياسي ضد أي جهة كانت وقد تهاوت خدعة انهيارالعصبيات بفعل “الزخم الثوري” الافتراضي فظواهر الانقسامات الشعبية والمجتمعية باقية وحاضرة بتعبيراتها وبحضونها المعلنة طالما استمرت تشكيلة الاقتصاد الريعي التابعة للهيمنة وبالرغم من هندسة فولكور الصحوة الشعبية وهيصة “والله وتوحدنا ” ومن بث التسجيل المكرر لقسم الراحل جبران تويني وهو آخر ما تبقى من ميراث جبهة 14 آذار الديماغوجي.

إن من يطالبون قيادة الفريق الوطني وقائد المقاومة بالذات بتدشين مرحلة تاريخية جديدة اليوم والآن.. عليهم ان يعملوا على بناء كتلة شعبية واضحة وعابرة للطوائف حاضنة للمقاومة ولخيار التحرر الوطني من الهيمنة الاستعمارية ليتحول برنامج الخلاص الوطني إلى وعد إجرائي قابل للتنفيذ وعندها يصبح لكلامهم معنى.

يتطلب الأمر بداية وضوحا وحزما في النقاش النقدي حول تجربة بعض الوطنيين تحت العباءة الحراكية الفضفاضة التي مارسوا فيها المسايرة مع عموميات الخطاب المتأمرك الذي يعرفون مصادره ورموزه في الساحات والشوارع ولم ينتبه بعضهم إلا عندما لاحت نذر الاحتماء بالخيم والساحات لترويج التطبيع مع العدو الصهيوني ولا تغفر رهانات الكسب الشعبي العابر لأي كان أي تساهل في قضية التحرر الوطني وفي اختيار الحلفاء والشركاء أي تيه وضياع في خليط هجين وقد بلغ البعض في ذلك حد التعامي عن الشبهات والاكتفاء بتبرؤ رفع العتب من بعض آثام شركائه في العباءة الحراكية وهيئات التنسيق الفاعلة فيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى