بقلم غالب قنديل

مناقشة لظواهر حراكية نافرة

غالب قنديل

من اللافت للانتباه منذ اندلاع الانتفاضة ظهور علامات فارقة تستدعي التوقف في خطب ونقاشات بعض المنخرطين بحماس في الساحات والشوارع بمن فيهم أصحاب سيرة معروفة في الانحياز للمقاومة كخيار سبق ان جاهروا به ودافعوا عنه كأحزاب ومجموعات وأفراد.

 

أولا تتبدى نزعة استعلائية في رفض الكثير من المنخرطين للنقد والنقاش من خلال ردود عصابية على أي مداخلة او موقف نقدي حول ما يثر التساؤل والشك وتسخيف مطلق لكل نقاش فيها مثل دور الجامعتين الأميركية واليسوعية وحشد جماعات تدعى بالمنظمات غير الحكومية تتلقى تدريبها وتمويلها من وكالات ومنظمات اميركية واوروبية لنشر الديمقراطية أي لتثبيت الهيمنة في العالم الثالث.

يظهر النزوع الاستبدادي الإلغائي في التعامل مع تساؤلات منطقية وطبيعية  يثيرها التناغم الحراكي الفاضح مع الهدف الأميركي المعلن باشتراط حكومة التكنوقراط والذي يطمس الحراكيون انه هو ذاته مطلب لقوى شريكة في النظام التابع هي جناح السلطة السياسية  الأشد تورطا في مفاسده وآفاته الكثيرة وهي اطراف معلنة وواضحة جرت تنحيتها عن أي انتقاد أو هتاف أو شعار تشاطر اهل الحراك عباءة فضفاضة هي الأقدر على استثمارها  وتسييل وزنها في المعادلات حتى لو تخفت خلف مجموعات واجهية متقنة التحضير على توقيت انفجار الغضب الشعبي.بينما نالت الشتائم أحزاب وجهات أخرى مشاركة في السلطة السياسية نالها ما يكفي من الغضب الأميركي بسبب انحيازها لخيار المقاومة.

ثانيا تطور هذا النزوع الاستبدادي الاستعلائي المحصن بغلاف “الثورة” إلى ممارسة ضغط مباشر على القيادات السياسية التي أحجمت عن النزول بثقلها إلى الساحات الحراكية لمطالبتها بتعقيم منابرها الإعلامية من المنتقدين وهذا أمر في غاية الخطورة ينم عن سلوك سياسي خطير لا يرجو الناس العاديون لأصحابه النجاح في التسلل إلى موقع في السلطة لأن الحصيلة معروفة مسبقا.

الثورات والانتفاضات الشعبية الحقيقية ليس لديها ما تخفيه عن الناس وهي تنتعش وتحيا وتنمو بمخاض الأفكار وبالنقاش الحر وبشجاعة النقد والوعي النقدي وليس بمنع وترهيب المخالفين من أصحاب الفكر والرأي الذين يحملون تطلعات لا تقل جذرية عن الحالمين بستار سميك يحجب انزلاقهم في مسيرة ملتبسة منذ خطف الحراك ورهنه داخل العلب الأميركية ولا مجال للمقارنة بين قوة المرتبطين بآلة التحكم الخبيثة وأولئك الذين يكثرون الكلام في الغرف المغلقة عن تبرئهم منها وهم في الواقع قاعدون عن أي مبادرة فعلية اوموقف معلن وصريح في اعتراض طريق المجموعات الحراكية التابعة لجناح النظام المتباهي بقناع الثورة او الشبكات غربية الولاء وما اكثرها التي يتساكنون معها بكل صمت وتكتم.

ثالثا لم يقدم أي من وطنيي الحراك المخطوف جوابا عمليا عن الأسئلة المحقة حول مواقفهم من مخطط استعماري أميركي غربي يستهدف توظيف ما جرى لتعديل توازن القوى السياسي المحلي لتكريس الهيمنة الغربية على البلد واستهداف المقاومة وهو مغزى الوصفة الحكومية الأميركية التي عبرت عنها مراكز الدراسات والتخطيط المعروفة وظهرت مفرداتها في الساحات وغايتها النيل من المقاومة وحلفائها في معادلة القرار الحكومي تحت تغطية معالجة الانهيار الاقتصادي والمالي والسعي لاختيار بعض الوزراء من نخبة الخبراء المبرمجين في خدمة الهيمنة الاستعمارية الغربية وخدمها الاقتصاديين والماليين القابعين في كنف البنك الدولي والشركات الغربية وصندوق النقد الدولي. ولم يقدم معظمهم على تمييز أنفسهم بموقف واضح من الضغوط الأميركية التي ادت إلى استقالة الحكومة وتاهوا في ضجيج الهتاف باعتبار الاستقالة إنجازا للانتفاضة ورغم كون شروط الرئيس الحريري تفصح عن الهوية الفعلية لمن رفع من شعارات حول الحكومة البديلة وكتغطية لإدامة الفراغ والاستنزاف في خدمة الضغوط الأميركية نفسها.

رابعا مع خطف الانتفاضة باتت ظاهرة الحراك وعاءا سياسيا لخليط متنافر يمثل الوطنيون فيه أقلية ضئيلة فاقدة الهوية وغير واضحة فالتوازن الفعلي بين المكونات والأجنحة مختل كليا لمصلحة الجناح التابع للهيمنة ولشبكات التحريك المربوطة والمضبوطة بإحكام شديد وهذا يفترض بالوطنيين تمييز حراكهم فلا تغويهم خلطة فضفاضة بهوية غامضة وضائعة وطنيا واجتماعيا تناسب مصالح القوى الخفية المحركة التي تشاركهم شعارات عديدة عمومية من غير أي تحديد سياسي ومنهجي يناسب آفاق التحرر الوطني والتغيير الحقيقي الذي لا يتحقق في بلد مستعمر دون الإطاحة بالهيمنة وبمرتكزاتها  وعملائها المحليين.

تحويل اليافطة العمومية التي تناسب بعض الباحثين عن ادوار والمسحورين بالجموع مهما تقلص عديدها إلى عصبية حزبية محصنة ضد النقد والنقاش هو انحراف خطير لايتناسب مع دعوات التغيير السياسي الافتراضية بجميع منوعاتها تماما كما ان الهتافات التي ترددت حول الوحدة الوطنية لا تعني انتفاء العصبيات الطائفية والمذهبية واختفاءها وشفاء المجتمع منها طالما تستمر تشكيلة النظام السياسي والاقتصادي الريعي.

ختاما من المحزن لأي وطني ان يرى رفاقا له في خيار المقاومة يخفون مواقفهم المبدئية لمسايرة شركائهم تحت عباءة فضفاضة وان يحجموا عن التصدي لمظاهر الشبهة والخداع في نفاق متبادل مع اولئك الشركاء المستجدين وبينهم أعداء سافرون للمقاومة ولفكرة التحرر الوطني التي ستبقى القاعدة التي يؤسس عليها أي بناء جديد سياسيا واقتصاديا يضمن التنمية وينهي الانهيار وذيوله ويرفع سائر المظالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى