بقلم غالب قنديل

الفوضى المتدحرجة والمأزق السياسي

غالب قنديل

ما حصل من تداعيات في الشوارع استحضر شبح الصدامات الطائفية والمذهبية بكل وضوح بعدما انهارت مساحيق التجميل التي بثتها التغطيات الإعلامية وسردية الثورة المغدورة عن غلاف الأحداث بنتيجة خطف الحراك الشعبي وتحويله إلى اداة ضغط سياسية تلبي الشروط الأميركية لإعادة تشكيل السلطة السياسية بالانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية.

 

يتركز الضغط السياسي الأميركي ومسعى قوى الرابع عشر من آذار على فرض صيغة حكومية خاضعة للمشيئة السياسية الأميركية بالكامل عبر إضعاف المقاومة وحلفائها في معادلة السلطة وقرارها ومن خلال إحكام القبضة على لبنان كبلد خاضع وتابع للهيمنة الأميركية اقتصاديا وسياسيا وفقا للشروط الواضحة المتعلقة بعزله عن الشرق ومنعه من عقد أي شراكات اقتصادية او سياسية تعزز قدرته على التصدي لتحديات الانهيار المالي والاقتصادي والنقدي الذي انتجته ثلاثة عقود من الارتهان للهيمنة الأميركية التي انطلقت مع قيام النموذج الحريري للتقاسم الريعي الطائفي وهو نموذج قام على المساكنة الملفقة مع الدور السوري بداية ثم مع المقاومة وحلفها الوطني العريض.

لم يكن قطع الطرقات عملا عفويا بسيطا بل نتيجة لحملة منظمة قادتها احزاب وقوى سياسية شريكة في النظام سعت منذ بداية الأحداث الأخيرة إلى البحث عن فرص الاحتكاك واستدراج الدماء في الشوارع وتقضي الخطة الأميركية بتوظيف الإرباك العام لسائر الأطراف السياسية نتيجة الانهيار الذي وقع في سبيل تعديل التوازنات وإملاء الشروط السياسية التي تتوخى إضعاف المقاومة وتحجيم حلفائها كما برهنت سائر الأوراق والتقارير التي روجتها مراكز التخطيط حول لبنان والتي تلاقت على التوصية باستثمار الانتفاضة الشعبية لخدمة اهداف سياسية معلنة تتعلق بموقع لبنان من الصراع الدائر في المنطقة بين محور الهيمنة الاستعمارية الصهيونية ومحور المقاومة والاستقلال والتحرر.

لايعفي هذا الواقع من تأكيد مسؤولية الفريق الوطني عن غياب رؤية برنامجية وإطار جبهوي منظم للإنقاذ وعن التعامل السلبي مع الأحداث بحصر التحركات السياسية في مفاوضات تناولت موضوع تشكيل الحكومة الجديدة بمنهجية دفاعية سلبية انطلقت من رفض الشروط الأميركية التي تلبسها موقف رئيس الحكومة المستقيل وحزبه السياسي بينما تاهت التفاعلات العفوية في مناخ احتقان وتصادمي مهيأ للاشتعال في أي لحظة.

هذا الأمر يقتضي مراجعة منهجية نقدية لمنطق التكيف في مساكنة غير متوازنة منذ الانتخابات النيابية من خلال فرط حلف الثامن من آذار ووضعه في حالة من الشلل والامتناع عن بلورته في صيغة جبهوية وبرنامجية قادرة على تنظيم المجابهة ضد المخطط الأميركي وتعبيراته السياسية والاقتصادية وبلورة حركة شعبية داعمة لخيار المقاومة وعابرة للطوائف والمناطق.

في هذه اللحظة بالذات وبينما يستمر التحرك تحت حافز منع تمادي الانهيار الاقتصادي والانفلات الأمني نؤكد ان الخلل في نهج التصدي للهيمنة الأميركية انطلق من التكيف مع العقوبات ومن تكيف آخر لايقل خطورة مع النموذج الاقتصادي الريعي التابع والاكتفاء بالمطالبة بتحسينات طفيفة على التركيبة القائمة والمرتبطة بالهيمنة.

إن كل ما جرى لم يستطع فرض أي تغيير جدي في ميزان القوى الفعلي لكن التصدي لمسار الفوضى ومنع شبح دوامة العنف الأهلي بات يتطلب بلورة برنامج جذري للتحرر الوطني من الهيمنة الأميركية والشروع في بناءجبهة شعبية لمقاومة الهيمنة والتصميم على انتشال الصراع من متاهة الزواريب إلى الساحة الأولى والأهم وهي موقع لبنان من الصراع بين محوري الهيمنة والتحرر وعلى اللبنانيين ان يقرروا فإما الرضوخ لجعل بلدهم مستعمرة اميركية خاضعة للهيمنة او التمسك به قلعة مقاومة حرة وجزء طبيعيا من الشرق الكبير.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى