بقلم غالب قنديل

تجديد المساكنة ام تصحيحها ؟

غالب قنديل

اكدت كلمة جيفري فيلتمان أن لبنان يواجه انقلابا اميركيا سافرا على صيغة المساكنة الأميركية بالواسطة المحلية مع حزب الله وحلفائه داخل السلطة السياسية والتي فرضت استمرارها المعادلات والتوازنات الداخلية والإقليمية وسقوط وفشل المحاولات المتكررة للإطاحة بها منذ حرب تموز حتى اليوم.

 

اولا التعبير السياسي عن الانقلاب يجسده شعار حكومة غير سياسية بتنويعاته المختلفة التكنوقراطية والحيادية وحكومة الاختصاصيين وسواها والغاية الأبرز من هذه التشكيلة هي توجيه ضربة سياسية موجعة للمقاومة ولحلفائها وهو ما عبر عنه تعنت الرئيس سعد الحريري في مفاوضات التكليف.

كشف نص كلمة فيلتمان في الكونغرس تصميما على ركوب الانتفاضة الشعبية بالذهاب إلى انتخابات يفضلها مبكرة ويراهن ان تسفر عن تحجيم جميع حلفاء المقاومة في سائر المواقع وقلب التوازن السياسي في مجلس النواب الجديد مع اعتراف المسؤول البارز في دوائر التخطيط الأميركي حول لبنان باستحالة انتصار حلفاء واشنطن إذا انفجرت الأوضاع وذهبت نحو مجابهة كبرى يتوقع ان تكون الغلبة فيها للمقاومة وحلفها اللبناني الواسع بل ولحفائها في المنطقة وهو هنا وجه ملاحظة زاجرة لمن يبالغون في رهاناتهم من قلب معسكر حلفاء واشنطن في لبنان.

ثانيا أقرن فيلتمان تقديم الشعار السياسي للانقلاب أي الحكومة والانتخابات بالاستنتاج ان العملية التي يقودها الأميركيون سوف تستغرق وقتا غير قصير وتقتضي قيادة من الخلف بعيدة عن استعراض التدخل المباشر وركز بالذات على استعمال قروض سيدر والودائع الخليجية  كوسيلة ترويض ممكنة منوها بأن المطلوب لذلك أقل مما تدفعه المملكة السعودية لتمويل سنة من الحرب على اليمن والذي قدر قيمته بخمسة وأربعين مليار دولار.

هذا التصور يشير إلى ان المخططين الأميركيين يدركون الاضطرار إلى قبول المساكنة للحفاظ على نفوذهم وعملائهم في البلد مع سعيهم إلى تعديل شروطها بركوب الحراك وهو ما استبشر به المراهنون على تجديد الاتصالات حول الحكومة الجديدة وحيث تبدى التوجه الأميركي بالتصميم على إزاحة وزير الخارجية جبران باسيل للتأثير على صورة العهد ولتحجيم وزن التيار الوطني الحر المطلوب إضعافه أمام  منافسيه في الانتخابات المقبلة.

ثالثا بالتوازي مع هذه الخطة الأميركية التي طرحها فيلتمان كان واضحا تحذيره من خطر استراتيجي كما وصفه هو أي تطور اقتصادي لاحق في العلاقات اللبنانية مع سورية او إيران او روسيا او الصين والأمر يطرح مسألة هامة للنقاش ترتبط بطبيعة المساكنة السياسية في السلطة التي كانت منذ قيامها خاضعة للممنوعات الأميركية ورضخ فيها حلف المقاومة لقواعد المنع الصارمة التي نفذها الرئيس سعد الحريري تحت شعار النأي ومن غير أي اعتراض جدي من الفرقاء الوطنيين الذين خضعوا لمشيئة الحريري وللممنوعات الأميركية وارتضوا سياسة غير متوازنة للحكومة في علاقاتها وشراكاتها الإقليمية والدولية تحت عنوان النأي الذي كان احادي الاتجاه فعزل لبنان عن سورية والعراق وإيران وروسيا والصين وحرمه من جميع فرص الشرق المتاحة اقتصاديا وماليا ودفاعيا وسياسيا رغم ما قدمته تلك الدول الشقيقة والصديقة من دعم سياسي لمعارك الدفاع عن لبنان ضد العدو الصهيوني وفي مجبهة غزوة التكفير فأدارت الحكومة ظهرها للعروض السخية والمبادرات والهبات إكراما للسيد الأميركي وظل صوت اعتراض الفريق الوطني خافتا خجولا داخل الجلسات الحكومية والنيابية بدلا من اعتبار هذا الموضوع مسألة هامة يتوجب حسمها بشكل واضح.

رابعا مما لاشك فيها ان الفريق الوطني الشريك في الحكومات السابقة كان منكفئا ومتكيفا مع النهج الاقتصادي الريعي التابع للهيمنة وكانت الذريعة هي تلويح رئيس الحكومة وحاكم المصرف المركزي ومعظم وسائل الإعلام المشبوكة بخطر الانهيار المكتوم منذ سبعة عشر عاما والذي وقع مؤخرا وظهرت مؤشراته الاقتصادية والمالية النافرة بدون أي التباس وحيث تصرف الوطنيون بمنطق التكيف  بدلا من بلورة البرنامج البديل وخوض الصراع بشجاعة داخل المؤسسات وبلورة قوى شعبية عابرة للطوائف تمارس الضغط على المؤسسات بالتناغم من اجل تعديل الخيارات والتوجهات جذريا.

بعدما تكشف الانقلاب الأميركي على المساكنة وتكشفت اهدافه الصريحة يصبح المنطقي طرح وتبني شروط لتجديد المساكنة وليس الاكتفاء بالضغط لتجديدها واسترجاعها بل ينبغي عدم التصرف بالطريقة السابقة التي اعتبر فيها مكسبا عظيما مجرد الاعتراف بالمقاومة في عبارات ملتوية وبتلاعب على الكلمات والحروف بينما تركت بقية القضايا لجناح الحكومة المرتبط بالمحور الأميركي مقابل الاعتراف الذي لا فضل فيه لأحد بل هو إقرار بحقيقة عمدتها الدماء والتضحيات الهائلة.

خامسا سبق ان دعونا اكثر من مرة لتصحيح المساكنة السياسية باشتراط توجه اقتصادي جديد يعيد النظر بالأولويات لصالح القطاعات المنتجة ويضع بالتوازي سياسة متوازنة بين المحورين على صعيد المنطقة والعالم وسبق لنا ان شرحنا بالتفصيل ان التوجه شرقا لايعني إدارة الظهر إلى الغرب او الخليج انطلاقا من طبيعة التوازنات اللبنانية ونبهنا إلى خطورة رضوخ الجناح الوطني في السلطة لمنطق إدارة الظهر للشرق ولإلقاء الاقتصاد رهينة في قبضة الغرب بدءا من القطيعة مع سورية التي فرضت بابتزاز فرط المساكنة وبالتهديد بخطر الانهيار.

 اليوم وبعدما وقع الانهيار وباتت المساكنة عرضة للانقلاب فماذ سيفعل الوطنيون غير الدعوة لإشراك الحراك الشعبي في الحكومة الجديدة ؟ لاينبغي بأي شكل قبول العودة لما سبق وأي مساكنة جديدة في السلطة السياسية تفترض تفاهما على مراجعة الأولويات والتوجهات وهذا معناه تحقيق التوازن في المساكنة التي كانت خضوعا لأولويات الجناح الأميركي وذلك هو الحد الأدنى المنطقي والمقبول لأي إنقاذ حقيقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى