بقلم غالب قنديل

حول بعض وجوه الأداء الإعلامي

غالب قنديل

عندما نتحدث عن دور بعض الإعلام في التوجيه المدروس لموجة الغضب نحو اهداف سياسية عن طريق التعبئة المكثفة بشعارات ودعوات انتشرت على الهواء مباشرة فإن هذا التقدير ينطلق من مؤشرات ومظاهر أكثر من واضحة وليس مجرد ظن بلا قرينة ولعل ماجرى من تحركات وتغطيات منذ استقالة رئيس الحكومة كشف القليل من سر اللعبة الإعلامية التي واكبت ثورة الغضب.

 

بعض المؤسسات الإعلامية التي شاركت في اعمال التعبئة والتحريض وترويج الانطباعات وتلقين الشعارات والتي شاعت معلومات واخبار عن تلقيها تمويلا غير مشروع من مصادر خارجية  لقاء حملاتها كانت هي نفسها التي انخرطت في اعمال مشابهة تولتها مع انطلاق الحرب على سورية وواكبت بها غزوة التكفير لسنوات وهي من ساهمت احيانا في ترويج انطباعات ومزاعم مضللة لتجميل صورة عصابات داعش والقاعدة تحت يافطة “الثورة السورية” فتلاعبت بالمعلومات والمصطلحات لتعميم الانطباعات الزائفة ولتعبئة الجمهور بها للتحكم بانفعالاته ومزاجه العام وقد اوشكت على إشعال فتنة دموية غير مرة.

على امتداد أسبوعين سخرت مؤسسات تلفزيونية وإذاعية كبرى هواءها لتغطية وتوجيه الحراك الشعبي وهي قبل انفجاره بأشهر اطلقت برامج مكرسة لترويج فكرة التمرد على الواقع القائم وحتى في تسميات البرامج التي تلعب دورا في التهيئة النفسية للمتلقي تكررت مفردتا الثورة والتغيير.

ركزت تلك الوسائل في مضمون تلك البرامج والمواد التي بثتها على ملفات الفساد التي تلقى رواجا شعبيا بينما تخللت مشاركات ضيوفها مواد مكرسة انتقائيا واستنسابا للتحريض فاستهدفت المقاومة وحليفيها حركة امل والتيار الوطني الحر بينما تحاشت باستمرار تناول رموز تيار المستقبل وشريكيه التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية والجميع على الضفتين شركاء دائمون من سنوات بعيدة في حكومات الوحدة الوطنية.

تجذر هذا السلوك الإعلامي رغم كون المعاناة الشعبية ناجمة عن  النموذج الاقتصادي السياسي القائم منذ الطائف وهو يحمل بامتياز بصمة المستقبل ومؤسسه الراحل الرئيس رفيق الحريري وكان السيد وليد جنبلاط شريكه الدائم والأمين في الشاردة والواردة وهي شراكة ساهمت فيها القوات اللبنانية بعد العام 2005 وفي جميع الحكومات والمراحل وبهذا المعنى فقد كان التحريض السياسي الذي جرى ترويجه انتقائيا ينطوي على استهداف مقصود ضد اطراف بعينها.

في أبسط الأحوال بدا ذلك التوجه الإعلامي دخولا مقصودا على خط تناقضات الشركاء في تقاسم السلطة والممثلين جميعا في الحكومة التي يفترض انها المسؤولة بجميع اطرافها عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية والمالية المشكو منها كما تحاشت تلك المؤسسات ومتحدثوها المختارون أي كلمة تمس الشروط الأميركية ومظاهر الوصاية المفروضة على الحكومة لإملاء خيارات إقليمية محددة بإدارة الظهر إلى الشرق القريب والبعيد وبالتعطيل المتعمد لمحاولات الحكومة اللبنانية تحفيز عودة النازحين السوريين إلى بلادهم.

شهدت أيام النقل المباشر المفتوح بعد انفجار الغضب الشعبي عملا منظما للتعبئة والتحريض عبر انتقاء المتحدثين وإسكات بعضهم ممن يخالفون الوجهة المطلوبة وقد خرج العديد من المذيعات والمذيعين عن قواعد الأداء المهني فتحولوا إلى خطباء سياسيين يطلقون الشعارات ويدلون بوجهات نظرهم  ويرددون الاتهامات والشتائم بأساليب استفزازية لا تتسق مع ادوارهم المفترضة في نقل الوقائع وتغطية الأحداث وعندما يتحول من يفترض انه يقوم بالتغطية إلى ناطق سياسي يشن الحملات ويعمم الشعارات فهو حكما يخرج عن أصول المهنة وعن قواعد القانون وأحكامه.

قام البعض باستدراج  الناس الذين يستصرحونهم في لحظة توتر وغضب إلى تبني ما يتعمدون الإيحاء به من خلال عبارات مرفقة بالسؤال بطريقة إيحائية مفضوحة وهذا تلقين لا علاقة له بأصول المهنة كما جرى فتح الهواء للشتيمة المقذعة ولأحط تعبيرات السقوط الأخلاقي في أساليب التخاطب وبأسفل الصور والتعبيرات المتخيلة والمفترضة.

الناتج الفعلي لهذا النوع من المشاهد والتعبيرات المتواصلة التي لوثت أبصار اللبنانيين وأسماعهم وعقولهم هو نقلهم إلى سلوكيات عنفيه وتصادمية سواء في التماهي السلوكي مع الرسالة الإيحائية او بدافع رفضها ومحاولة الاقتصاص الفردي او الجماعي ممن اطلقوها او يفترض انهم وراء نبرة التحدي وفعل الإهانة وفي هذا السياق تصبح الرسائل الإعلامية أداة مولدة للعنف والانقسام التناحري.

على مدار أيام البث الحي المتواصل تم هتك القوعد القانونية واخلاقيات المهنة والأخلاقيات الاجتماعية العامة وتحولت الشتيمة البذيئة إلى مفردة شائعة بذريعة الغضب المستحضر على الهواء مباشرة وتلك سلوكيات مقززة عممتها وسائل الإعلام خلافا للقانون الذي ينص على دورها في نشر القيم الأخلاقية واحترام الطابع المتعدد للرأي!.

شكل غلاف الثورة الفضفاض التغطية التسويقية لكل ما جرى من أحداث فتم إعلاميا تبرير قطع الطرقات وجرى تصوير العناصر المنظمة التي اعترضت حرية المواطنين في التنقل على انهم ثوار وبعضهم رددوا مفردات مستعارة من ذاكرة الحرب وتقسيم المناطق اللبنانية وتصرفوا على طريقة سلطات الكانتونات الكريهة فكالوا الشتائم لمن صمم على المرور واعتدوا احيانا عليه وسوى ذلك مما لم تعامله المؤسسات الإعلامية المتورطة بموضوعية بل بتبرير السلوك الخاطيء وباعتباره مشروعا ومفهوما بالتماس العذر لمرتكبيه.

ظهرت في الأيام المنصرمة ازمة نظامنا الإعلامي الذي انطلق بالتاقسم السياسي والطائفي للتراخيص وتكرس بشل المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع وبفرض حماية سياسية للوسائل المخالفة وبتعليق أي مساءلة عن مصادر التمويل بتجاهل المادة الثامنة والأربعين من قانون المرئي والمسموع التي تفرض على وزارة الإعلام تدقيق حسابات الشركات المرخصة مرتين في السنة وهذه المادة لم تنفذ ولا مرة واحدة خلال ثلاثة وعشرين عاما مضت على بدء تطبيق القانون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى