بقلم غالب قنديل

الشراكة المشرقية فرصة تاريخية

غالب قنديل

شكل اللقاء المشرقي الذي انعقد مؤخرا في بيروت برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فرصة لإحياء فكرة طموحة طرحتها تداعيات الوضع الإقليمي في السنوات الماضية التي رسخت الانطباع عن وحدة المصير في منطقة المشرق العربي التي استهدفت بأعنف غزوة استعمارية صهيونية وعصفت بها حروب احتلال وهيمنة ضارية وغير مسبوقة أعقبتها غزوة التكفير والتوحش التي لم تكن سوى حرب استعمارية بالواسطة لمن يدقق ويريد أن يفهم.

عصفت ببلدان المشرق العربي رياح عاتية ودموية حملت معها تهديدات وجودية وأخطار تفتيت وتعميم لطواحين الدم في سائر البلدان التي واجهت ولا تزال تحديات كبرى في الدفاع عن استقلالها وفي تلمس طريقها إلى التنمية والتطور الاقتصادي والحضاري في مناخ تطاحن وغليان تعيشه الكرة الأرضية مع تراجع الهيمنة الأميركية الغربية وظهور قوى عالمية جديدة في الشرق توسع من حجم الفرص امام الشعوب الطامحة التي تمتلك إرادة التحرر من تلك الهيمنة لتشق طريقها المستقل إلى التطور والتقدم.

فكرة المشرقية والتكتل المشرقي هي تعبير عن التطلع إلى نهضة استقلالية في المنطقة تبنى على حقائق المصالح التاريخية الواحدة وعلى وحدة الانتماء والهوية بين بلدان المشرق العربي وبغض النظر عن السجالات العقائدية في قضايا القومية وتشكل الأمم التي شغلت حيزا كبيرا من مجادلات القرن العشرين الفكرية والفلسفية.

برهنت تجربة مقاومة الغزوة الاستعمارية الصهيونية خلال السنوات المنصرمة منذ مطلع القرن الجديد وبالذات فصول التصدي لعصابات التكفير ولخطط التقسيم والتفتيت التي تحركت في فضاء هذه المنطقة طوال السنوات العشرين الماضية أن المشرق هو نطاق حياة تاريخي عبر بحيوية عن جدارته بالاستمرار والتكامل واستطاع إلحاق الهزائم بفصول الغزوة وتمكن بوحدة جهود قوى المقاومة والتحرر في سائر بلدانه ولاسيما سورية ولبنان والعراق وفلسطين ان ينتصر على الموت والخراب والتفتيت والاقتلاع الجماعي والخطط المدمرة لنسيج المشرق الاجتماعي المتنوع التي قادها معسكر الهيمنة الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة ودول الغرب الأخرى التي شاركت في تقسيم المشرق تاريخيا وسعت إلى إلحاقه بمستعمراتها ودبرت اغتصاب فلسطين وتأسيس الكيان الصهيوني ليكون ثكنتها المتقدمة التي تحمي سيطرتها اللصوصية واستتباعها لدول المنطقة.

هذا الواقع يفرض على القوى الحية في هذه البلدان ان تتلمس طرق العمل المشترك لتطوير السعي إلى تكتل مشرقي ينتزع مكانته في عصر التكتلات الكبرى على قاعدة السيادة والاستقلال والتحرر وخيار مقاومة العدوان الصهيوني الذي تبين انه خطر وجودي متجدد باحتضانه لعصابات القاعدة وداعش وبعملياته العدوانية المستمرة ضد سورية ولبنان والعراق بينما يواصل فتكه بفلسطين التي ما زال شعبها يقاوم ويتحدى.

لايمكن الفصل بين منهجية الغرب الاستعماري وتحركاته وتمسك دول الغرب بتقديم الهيمنة الصهيونية السياسية والاقتصادية العسكرية على أي تصور لمستقبل الإقليم الذي تمثل صفقة القرن الأميركية آخر نسخ تهديده للمشرق العربي.

إن العمل لبناء شراكة مشرقية عابرة للحدود والتطلع الطموح إلى سوق مشتركة وشراكات شاملة في مجال الطاقة والتنمية الصناعية والزراعية وتطوير الموارد يلبي حاجات مشتركة للبنان وسورية والعراق والأردن وهي الدول الحاضنة للحصة الكبرى من الشتات الفلسطيني الذي اقتلعه الصهاينة من ترابه الوطني بعد اغتصاب فلسطين وإنشاء قاعدة الغزو والتهديد الاستعماري “إسرائيل” .

التحرك لبناء التكتل المشرقي يستجيب لضرورات تخطي الأزمات القاسية اقتصاديا واجتماعيا ويلبي حاجات التخفيف من معاناة الناس في هذه البلدان المعرضة للضغوط والحصار ولمحاولات التخريب الاستنزافي التي لاتنقطع بل ويمكن التطلع بوحدة القدرات وتكاملها إلى التأسيس لنهضة مشرقية شاملة يولدها ويستجيب لها منطق التكامل الممكن للقدرات والإمكانات والعمل المشترك على التكتل الشامل سياسيا واقتصاديا وتحرير التبادل البيني وصولا إلى سوق مشتركة وهو ما يعزز الموقع التفاوضي لسائر بلدان المشرق والفرص المتاحة في العلاقة مع  القوى الفاعلة إقليميا وعالميا.

في قلب هذا التوجه المشرقي طاقة انفتاح وتطور ممكن للعلاقات والشراكات العربية الشاملة والتفاعل الممكن مع إيران والصين وروسيا دون إدارة الظهر للغرب بل وامتلاك القدرة بوزن الجغرافية والاقتصاد للتكتل المشرقي على بناء قواعد جديدة وندية في التعامل السياسي والتجاري مع الغرب بإرادة استقلالية واضحة.

بدلا من المناكفات السقيمة والفئوية الرخيصة في لغو طائفي مقيت تستحق المبادرة المشرقية للرئيس عون احتضانا لبنانيا شاملا يطور حولها حوارا وطنيا بحساب المصالح العليا والتطلعات اللبنانية إلى دور متقدم في قلب البيئة الطبيعية لوجوده وحياته وبصورة تليق باستثمار المزايا العديدة المهدورة في مستنقعات المراوحة والانغلاق الخانق الذي بات عكس التاريخ في زمن تغيير سمته الغليان والسباق مع الزمن الذي لا يرحم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى