بقلم غالب قنديل

إمام المقاومة والمحرومين

غالب قنديل

تحول الإمام السيد موسى الصدر إلى ظاهرة شعبية كبيرة خرقت تكلس البنية السياسية للنظام القائم في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وفي ظل ازمات اقتصادية واجتماعية وسياسية صاخبة وقد شق الطريق لتيار شعبي واسع ربطه بعلاقات تناغم وتنسيق وثيق مع مجموعات وشخصيات إصلاحية عابرة للطوائف من خلال تأسيس حركة المحرومين ومن ثم عبر إطلاق “أفواج المقاومة اللبنانية امل “التي رعى شخصيا تدريباتها وإعدادها لمجابهة العدوان الصهيوني المفتوح على لبنان.

 

العلامات الفارقة في نهج الإمام الصدر وما بشر به من أفكار ومباديء حملت معها ركائز ومفاتيح ومؤثرة في التعامل مع تحديات الوضع اللبناني الناتج عن الأطماع والاعتداءات الصهيونية وعن بنية النظام الطائفي التابع للهيمنة الغربية الذي أعفى نفسه من أي مسؤولية دفاعية عن الوطن المستباح من خلال شعارات “قوة لبنان في ضعفه” و”الضمانات الدولية“.

كان الإمام السيد موسى الصدر صاحب مبادرة مهمة لإطلاق وتأسيس حركة مقاومة شعبية مسلحة لمجابهة العدو ورفع الصوت لتوفير مستلزمات الصمود في المناطق الحدودية المعرضة للعدوان بالتوازي مع تمسكه الحاسم بخيار الوحدة الوطنية وتصديه لمنطق الاحتراب الأهلي والعصبيات التي وجد فيها النظام اللبناني التابع وسيلة متجددة لتمزيق الحركة الشعبية ولاعتراض نهوضها ولإجهاض ما التمس فيه تهديدا لوجوده ولمصالحه وحيث كان السيد الصدر منحازا لمباديء العدالة الاجتماعية ولرفض الظلم والحرمان ولشعارات إصلاح النظام السياسي الطائفي.

انطلق الإمام الصدر من اولوية الصراع ضد الكيان الصهيوني ومع دعمه غير المحدود لقضية تحرير فلسطين أدارعلاقة صعبة ومعقدة مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عندما ظهرت معالم تحول وجودها الميداني إلى سلطة أمر واقع ترعى فلتانا لصوصيا وتلائم مشاريع التقسيم الطائفي انحاز مع الرئيسين الراحلين رشيد كرامي وسليمان فرنجية إلى مبادرة الرئيس حافظ الأسد لوقف الحرب الأهلية من خلال الوثيقة الدستورية التي كانت المسودة الفعلية لاتفاق الطائف بعد حوالي خمسة عشرعاما من تاريخ صدورها عام 1976.

حملات بعض احزاب الحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية على الإمام الصدر في السبعينيات كانت في جوهرها وعمقها دفاعا عن سلطة الأمر الواقع الغاشمة والقمعية التي رفضها اهل الجنوب خصوصا ونكلت بهم واستنزفتهم فاصطدموا بهياكلها السلطوية البيرقراطية الإنكشارية التي ما زال بعض اليساريين يمجدونها من غير أي التفاتة نقدية.

ترسخ هذا الافتراق في ظل ابتعاد الراحل ياسر عرفات عن دمشق عندما زار السادات القدس المحتلة والمفارقة يومها كانت في تواطؤ قوى وازنة في حركة فتح مع مؤامرة جماعة الأخوان المسلمين داخل سورية لحساب معسكر كمب ديفيد بدعم من نظامي الملك حسين في الأردن والرئيس العراقي صدام حسين في العراق ولأن بوصلة الإمام الصدر كانت اولوية الصراع ضد الكيان الصهيوني فقد اختار جبهة الرئيس حافظ الأسد دون ان يقطع العلاقات السياسية مع أي من عواصم “التصدي” لمؤامرة كمب ديفيد ومن هنا كانت علاقته المتأرجحة مع ليبيا والرئيس القذافي ومن ثم لغز اختطافه الذي يتضح لمن يدقق ان من يمنع تفكيك شيفراته في لبييا ما بعد القذافي هو الأميركي المهيمن على النخاع الشوكي للسلطة القائمة تحت وصايته.

اصطدمت جميع محاولات التحقيق وتجميع معلومات موثوقة عن إخفاء الإمام ورفيقيه بجدار سميك وطرحت منذ البداية في التداول احتمالات واجتهادات عن الدوافع فثمة من يرى ارتباطها بتحضير أميركي صهيوني متقن لاجتياح لبنان عام 1982 وكذلك ثمة من يربط بين إخفاء السيد الصدر ودوره المحتمل في إيران ومعها بعد انتصار الثورة وسقوط نظام الشاه وانعكاس ذلك الدور النوعي المحتمل في علاقة إيران الثورة بسورية العربية.

إن ميراث الإمام الصدر يمثل رافدا رئيسيا من روافد النضال الوطني والشعبي ومن هوية وذاكرة المقاومة اللبنانية التي بلغت درجة عالية من التأثير والفاعلية خلال العقود الماضية وباتت تحصن الوطن الصغير بتوازن ردع دفاعي تمناه الإمام وبات يخشاه العدو ويحسب له ألف حساب كما توقع عند إطلاقه اهم روافد المقاومة الشعبية المسلحة للدفاع عن الوطن منذ أكثر من أربعين عاما وبصمة الإمام الصدر باقية ومتجددة في تجربة المقاومة وتجذرها وقوتها بقوة التحالف القائم بين حركة امل وحزب الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى