بقلم غالب قنديل

هل تستعيد الإمارات مكانتها ؟

غالب قنديل

شكل البيان المشترك لاجتماع خفر السواحل في إيران ودولة الإمارات العربية المتحدة سابقة اولى في عودة علاقات التنسيق التي لم تنقطع بين طهران وأبوظبي سوى في العام 2013 ودامت مع القطيعة السياسية والأمنية ستة أعوام مشحونة بالتوترات بل على حافة الصدام العسكري المباشر وتراكمت المخاطر المحدقة التي صعدت من وتيرتها حرب اليمن وأزمة الممرات البحرية والمضائق التي افتعلها الأميركيون والبريطانيون بقرصنة سافرة.

 

منذ انتصار الثورة الإيرانية وقيام الجمهورية قبل أربعين عاما تميزت المواقف الإماراتية باتزان كبير حصدت ثماره الاقتصادية والمالية ازدهارا ونموا شاملا فقد انطلق النموذج الاقتصادي الإماراتي من نافذة جبل علي التي كانت رئة اقتصادية لإيران وسط الحصار الأميركي والغربي والعداء السعودي المبكر.

 وعلى ذلك الدور قامت حواضر اقتصادية إماراتية أبرزها دبي ونشأت امبراطوريات مصرفية وتجارية وعقارية ما لبثت أن استقطبت رساميل روسية وصينية وهندية إلى جانب الرساميل الإيرانية وشكلت دبي ميدانا يضج بالصفقات التجارية لتلبية نسبة عالية من حاجات الاقتصاد الإيراني الضخم وساهمت الودائع الإيرانية والاستثمارات الإيرانية بمعدلات كبيرة من نهضة المصارف والعقارات والترانزيت في الإمارات واظهرت القيادة الإيرانية إيجابية عالية وحرصا كبيرا على وتائر التعاون المشترك الذي كان للقيادة السورية دور كبير في تسهيل نسجه وتطويره ورعايته.

تعرضت القيادة الإماراتية لضغوط كثيرة منذ الحرب على سورية وعملت الولايات المتحدة بالشراكة مع القيادة السعودية على إقحامها في مخطط الحروب الأميركية المتنقلة وقدمت لها واشنطن إغراءات كبيرة لتكون شريكا للرياض والدوحة في تقاسم النفوذ الخارجي في ساحات حروب التكفير الدموية تحت عباءة ما سمي بالربيع العربي وصولا إلى العدوان على اليمن وظلت أبوظبي على مسافة مدروسة من الحرب على سورية فأبقت بعض العلاقات الخاصة مع القيادة السورية دون ان ترقى إلى الموقف التضامني الذي املت به سورية بناء على رصيد العلاقة الثنائية وما زرعته فيه دمشق من حرص على الدولة الشقيقة.

حصاد الحروب المتنقلة كان نزيفا ماليا كبيرا واوقع البلاد في حلقة ابتزاز حلب الأموال الأميركي عبر صفقات سلاح خيالية ومن خلال تحميلها الكلفة الاقتصادية والأمنية لاستضافة الأساطيل الأطلسية وغرف العمليات المخابراتية والإعلامية التي قادها الأميركيون وأداروا بواسطتها حروب الوكالة بواسطة القاعدة وداعش وتنظيم الأخوان الذي شكل احد مصادر التنافر الإماراتي القطري وتمويل جيوش المرتزقة في ليبيا.

 كفى برهانا على الخسائر الإماراتية ما نشر من معلومات عن الكلفة الإماراتية الشهرية في اليمن والمقدرة بمليار وثلاثمئة مليون دولار عدا عن اهتزاز النمو الاقتصادي في ظل ازمة الركود العالمية الطاحنة وانسداد المنافذ مع إيران وسورية وما أسفر عنه التورط في اليمن من تلطيخ السمعة السياسية بجرائم حرب باتت عنصر استنزاف للصورة التي عمل عليها القادة الإماراتيون منذ عهد رئيس الدولة الراحل الشيخ زايد لدولتهم كمساحة ازدهار اقتصادي مفتوح امام الجيران والأشقاء بعيدا عن المحاور والصراعات وهو ما تطمح اليوم إلى اكتسابه سلطنة عمان التي اوكل إليها الأميركي وظيفة الباب السياسي المفتوح للتفاوض مع إيران وسورية بدلا من الإمارات أما الدورالاقتصادي الإماراتي فتطمح إليه على طريقتها من قلب الحلف الأميركي كل من قطر والمملكة السعودية.

 العبرة الواضحة ان الشريك السعودي الذي أقحم أبوظبي في المتاهة الحربية الأميركية توجه لاستعارة نموذج دبي في مشروع نيوم الضخم على البحر الأحمر كأنما يتحضر لوراثة مكانة الإمارات الاقتصادية في المنطقة والعالم مستقويا بوعد التطبيع مع الكيان الصهيوني بعدما الحقه حلفه السياسي والعسكري من ضرر بمكانة الجارة الخليجية التي ازدهرت أعمالها قبل تورطها بالمغامرات الحربية في الركاب الأميركي السعودي وتحولت إلى واحة اقتصادية وتجارية ومصرفية وعاصمة مالية عالمية بفعل تحييدها عن الصراعات والمحاور وعلاقاتها الوثيقة بسورية والجيدة مع إيران.

المؤشرات السياسية الأخيرة بعد اختبارات القوة القاسية والمكلفة تؤشر إلى بداية استدارة إماراتية بعد كل ما جرى وبنتيجة بلوغ المغامرات الحربية والتصعيدية الخليجية الأميركية الفاشلة مرحلة خطرة تستجلب تهديدات كانت الإمارات في منأى عنها بفعل حرصها السياسي الذي خسرت بعضا منه بانسياقها خلف الخطط الأميركية والغربية في المنطقة ومع التحفيز والحشر السعودي.

 السؤال اليوم هل يواصل القادة الإماراتيون مسيرة العودة إلى تموضعهم السابق بعد عبرة التجارب المرة وبعد ارتفاع منسوب المخاطر التي تجلبها مسايرة النهج الأميركي السعودي المدمر؟ عودة العلاقة التنسيقية مع إيران في بدايتها والعلاقة الإماراتية السورية مجمدة بالفيتو الأميركي فهل تبادر أبوظبي بخطوات جديدة لاسترجاع مكانتها؟ فلنتابع ما سيدور بين أبوظبي ودمشق وطهران ولنراقب المواقف الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى