بقلم غالب قنديل

الميراث الناصري وحركة التحرر العربية

غالب قنديل

شكلت التجربة الناصرية صفحة مجيدة من النضال القومي والوطني التحرري في البلاد العربية بعد ثورة 23 يوليو 1952 التي اطلقت من مصر نداءا للتحرر من الاستعمار ولمقاومة الكيان الصهيوني والهبت حماسة الجماهير العربية بشعارات الوحدة القومية وتحرير فلسطين ومقارعة الهيمنة والتصدي للرجعية العربية وللأحلاف الاستعمارية في المنطقة.

 

حملت الناصرية في خطابها ومشروعها نبض الفقراء وحس العدالة الاجتماعية وقضية التنمية المستقلة وامتلاك القدرات الذاتية المتقدمة بمشروع ثورة صناعية وزراعية طموحة وقدمت تجربة غنية في محاولة بناء اقتصاد وطني ذاتي المركز متمرد على الهيمنة كما قدمت نموذجا لشراكات إقليمية ودولية عابرة للحدود تخدم التنمية والاستقلال من خلال دور مصر القيادي في حركة عدم الانحياز.

جسدت الناصرية فكرتها التحررية القومية عبر تبنيها لقضية فلسطين كقضية مركزية للتحرر العربي ودعمها لثورة الجزائر وعبر دورها في اليمن ومن خلال مشروع الوحدة مع سورية وقد تعرضت التجربة لاستنزاف كبير وحروب لم تتوقف لإجهاض ما بني عليها من آمال وتطلعات بين المحيط والخليج وصولا إلى حرب حزيران 67 التي كانت كالعدوان الثلاثي حربا استعمارية صهيونية رجعية مع فارق الدور الأميركي المحوري والمباشر في مد العدو الصهيوني بجميع القدرات العسكرية والاقتصادية والمخابراتية الضرورية لهزيمة مصر وسورية البلدين العربيين اللذين شكلا مركزا للصمود القومي وقاتلا معا وصمدا معا وحصدا نتائج الهزيمة.

تعرضت الناصرية لهجمات ضخمة فكرية وثقافية وسياسية وغيب عن قصد جوهرها الرئيسي وهو فكرة التحرر من الاستعمار والارتباط العضوي بين محاربة الاستعمار وتحرير فلسطين ومقارعة الرجعية العربية والحكومات العميلة والتابعة وحيث تتشكل الأقاليم الثلاثة لمنظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية التي على أي حركة تحرر عربية ان تقاتلها بضراوة.

إن استمرار ذكرى الرئيس جمال عبد الناصر حية ناتج أصلا عن كون القضايا التي تصدى لها ما تزال حية متجددة فالوحدة القومية حاجة تاريخية ملحة في جميع المعايير الاقتصادية والسياسية ولا بديل عن الدولة العربية الواحدة الحرة المستقلة كأفق لأي نضال قومي او وطني تحرري يتصدى لقضايا التنمية المستقلة كما لا بديل عن فكرة العدالة الاجتماعية التي اطلقها عبد الناصر كقاعدة للبناء الوطني المقاوم اقتصاديا واجتماعيا وما تزال حية فكرة تحرير فلسطين التي تكتسب قوة كبيرة مع تولد حركات المقاومة الجديدة وما انجزته من تحولات كبرى في التوازنات والمعادلات الاستراتيجية بفضل الدعم الكبير الذي قدمه المحور السوري الإيراني لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين. فتحرير فلسطين هو حلقة مركزية في مسيرة تحرير الوطن العربي من سيطرة الاستعمار ومن هيمنة الحكومات الرجعية العربية الذاهبة نحو الاندماج العاهر بالكيان الصهيوني تحت رعاية الإمبراطورية الأميركية رأس الاستعمار الغربي اللصوصي الذي قارعه عبد الناصر ببسالة.

لو كان الرئيس جمال عبد الناصر حيا لشهدناه اليوم في ساحات طهران داعما لصمودها في وجه الغطرسة الاستعمارية وفي دمشق مدافعا عن دولتها الوطنية الحرة المقاومة معانقا الرئيس بشار الأسد رافعا قبضة المقاومة مع السيد حسن نصرالله والمقاومين الفلسطينيين .

من الترف الفكري إهدار الوقت في الجدل والمماحكة حول مثالب التجربة الناصرية التي لا بد من إدراكها ومعاينتها نقديا مع وضع الأهوال والتحديات والحروب الكبرى التي استهدفتها في الحساب.

جمال عبد الناصر سيبقى رمزا تاريخيا للتحرر الوطني والقومي ينبغي تخليده كما يفعل المناضلون اللاتينيون برموز التحرر في اميركا الجنوبية سيمون بوليفار وفرابوندو مارتي وتشي غيفارا وفيديل كاسترو رفيقا عبد الناصر وغيرهم.

إن حركة التحرر العربية الجديدة التي نحتاج إلى إطلاقها تغتني بميراث التحرر القومي العظيم الذي تجسده تجربة مصر عبد الناصر وهذا ميراث يجب ان يبقى حيا وان يدرس بوعي كونه من روافد الفكرة القومية التحررية الجديدة التي ينبغي العمل بكل الجهود لانبثاقها تماما كتجربة سورية الأسد والمقاومة اللبنانية والفلسطينية البطلة والفحص النقدي المطلوب في مثل هذا العمل الفكري والسياسي يهدف لاستخلاص الدروس وتمثلها واحتوائها في مشروع تحرري نهضوي ضد مثلث الاستعمار والصهيونية والرجعية فذلك هو الطريق الذي بشر به جمال عبد الناصر وكان له شرف الريادة وتحقيق الإنجازات رغم التكالب الاستعماري الصهيوني الرجعي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى