بقلم غالب قنديل

إيران قلعة حرة عصية

غالب قنديل

يمثل التقدم العلمي والتمكن من التكنولوجيا الحديثة مؤشرا للتطور الحضاري في معايير التقدم التي رسمها الغرب الاستعماري وإيران التي نقلتها الثورة من وضعية البلد المستعمر والخاضع للهيمنة والمنهوب بموارده وثرواته إلى عهد الاستقلال والتحرر تعيش تجربة متميزة في البناء الوطني الاستقلالي منذ أربعين عاما تحت نظام صارم من الحصار الأميركي الغربي والعقوبات المشددة ورغم ذلك تشق طريقها وتخوض ثورتها العلمية والتكنولوجية بقدراتها الوطنية وبالتعاون والشراكة مع القوى الاستقلالية الرافضة للهيمنة في العالم.

 

ليس البرنامج النووي وحده النموذج  وقد بلغ مستويات متقدمة من التطور بقدرات ذاتية أساسا والمهم فيه هو القوة البشرية التي تقف خلفه فقد قدرت الدراسات الغربية ان جيشا من المهندسات والمهندسين والعلماء والباحثين الإيرانيين يتخطى المئتي ألفا من الإيرانيين يقف خلف المشروع النووي وفروعه العلمية والبحثية في جميع جامعات إيران وفي بعض المدن الخاصة التي يقطنها العلماء مع عائلاتهم كما ذكر تحقيق صحافي غربي من سنوات.

بالمقابل طرقت إيران أبوابا متعددة من العلوم من برنامجها الفضائي إلى مختبراتها البيولوجية وصناعة الدواء الوطنية المتقدمة وتقنيات الاستنساخ التي يمكن تطبيقها في مجالات طبية كثيرة وإذا كان الغرب في حملاته لشيطنة الثورة الإيرانية وجمهوريتها يركز على تقدم صناعة الصواريخ الإيرانية وغيرها من فروع الإنتاج الحربي خشية تعاظم قدرات الردع والدفاع الإيراني المتطورة لكن الواقع يقول إن الثورة العلمية التي تعيشها إيران والتي انطلقت من برامج البحث العلمي والجامعات وجيوش الخبراء وعمليات اكتساب التقنيات المتقدمة التي انجزها متخصصون إيرانيون بالتعاون مع دول صديقة او من خلال خبراتهم في الجامعات والشركات الغربية نفسها هذا كله يشير إلى ان العالم شهد منذ انتصار الثورة تنامي قوة صاعدة ومقتدرة منافسة تبني نموذجها الخاص لثورة صناعية وطنية باستقلال تام وبالتحرر من الهيمنة وبالاعتماد على قدراتها الذاتية.

لم تفلح الحروب التي شنت على إيران بقرار اميركي ولا محاولات التخريب المتكررة ولا العقوبات في تعطيل برنامج البناء الوطني الإيراني الذي استمر وتواصل وحقق إنجازات عظيمة دون توقف وقد تمكنت القيادة الإيرانية من تحويل اهدافها العلمية والاقتصادية إلى تعبير حي عن الكرامة القومية التي تلهب حماسة الشعب الإيراني .

بفضل ذلك حققت القيادة مناعة وتماسكا وطنيين من خلال شرح الأهداف للناس وتعبئتهم حولها في كل مرحلة من مراحل البناء وعبر تعزيز ثقافة الاعتماد على النفس والدفاع عن الاستقلال وإرادة التحرر وتحويل ذلك إلى سقف تتنوع تحته الآراء والاجتهادات وحيث يتنافس ممثلومختلف التيارات السياسية في مباريات انتخابية هادئة وسلسة وفي نقاشات علنية تجسد حرية الاعتقاد والراي والتعبير.

لقد روج الغرب الاستعماري نموذجه الخاص الاقتصادي والسياسي عن ثورته الصناعية وحوله إلى طوطم مطلق رغم انه تحقق بقوة حملات النهب والحروب الاستعمارية الدموية الغربية لأكثر من قرنين من التاريخ البشري وانكر على شعوب المستعمرات حقها في إنتاج نماذجها الخاصة انطلاقا من خصوصياتها الثقافية والحضارية وتمسك إيران بهويتها وبإرادتها المستقلة وبكرامتها القومية هو مصدر رئيسي لقوة اندفاع هائلة في تجربتها الخاصة على صعيد البناء الحضاري الشامل الذي يفرض احترامه على أي متابع لا يتملكه الحَول الأميركي أو الخَبل الغربي باستلاباته المقيتة البلهاء.

لم ينجح الغرب في اختراق هذه المنظومة القوية او تطويعها رغم كل ما حشده من وسائل وادوات وضغوط وعملاء وإمكانات جبارة وظفت في حروبه العلنية والمستترة ضد الجمهورية الإسلامية وشكلت تحالفات إيران الإقليمية والدولية نطاق قوة وحماية يعزز مكانتها ودورها وبفضل السياسة الإبداعية التي جمعت في إدارة الصراع بين الحزم المبدئي في القضايا الجوهرية والبراغماتية القصوى في حساب الإدارة السياسية  والصداقات العابرة وهكذا تمكنت إيران من مواصلة التقدم والتطور والمقاومة.

اجتر الغرب الاستعماري خلال أربعة عقود كثيرا من اكاذيب إنكار فاعلية القوة الإيرانية التي شكلت السند الرئيسي لمحور المقاومة وشريكا أصيلا لأقطاب الشرق الصاعد ضد الهيمنة الغربية والأحادية الأميركية وما من مشهد أشد تعبيرا من حيرة دول غرب اوروبا امام المعضلة الإيرانية بعد الانسحاب الأميركي من معاهدة الاتفاق النووي.

الحصيلة الفعلية التي نشهدها اليوم بنتيجة التطورات واختبارات القوة هي ان الكيان الصهيوني مردوع امام محور المقاومة الذي يجمع إيران بسورية وحزب الله والمقاومة الفلسطينية والمملكة السعودية مستنزفة امام المقاومة اليمنية والقوة الأميركية المتغطرسة واجفة امام قدرات إيران التي تسجل بالشراكة مع روسيا والصين نقاطا سياسية متلاحقة على الولايات المتحدة أقلها حرمانها من حرارة التحاق بعض الحكومات التي شكلت جزءا من طابور الحلفاء والعملاء لعقود طويلة مثل باكستان وتركيا.

إيران تواصل صعودها ولن تنطفأ شعلة الاستقلال والتحرر التي رفعها الإمام الخامنئي وثقف بها الملايين منذ انتقال الراية إليه بعد رحيل الإمام الخميني قائد الثورة ومؤسس الجمهورية ففي هذا البلد اجيال مؤمنة بعقيدة الاستقلال والتحرر والبناء الحضاري لصروح دولة قوية صاعدة لا ترضخ للهيمنة الاستعمارية وتلتزم بقضية تحرير فلسطين بوصفها الجذر الفعلي لتحرر الشرق كله من الاستعمار الغربي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى