بقلم غالب قنديل

إيران تثبت أن “الإمبريالية نمر من ورق “

غالب قنديل

لا مبالغة في استعارة عبارة الزعيم الصيني ماوتسي تونغ لوصف المشهد الحالي في المنطقة والعالم حيث تراجعت اعاصير التهديدات وطبول الغزو العسكري الأميركي لإيران وتلاشت التهديدات امام حسابات النتائج والتبعات والعواقب في ظل ميزان القوى الإقليمي والدولي.

 

سبق ان شهدنا مثل ذلك غير مرة في النضال التحرري لشعوب العالم خلال القرن الماضي والدرس يتكرر فحيث تتوافر إرادة المقاومة والتصميم على امتلاك المقدرات الوطنية وتنميتها بالتحرر من هيمنة الاستعمار يتحول الجبروت الاستعماري إلى نمر من ورق .

البلد المحاصر منذ أربعين عاما والمثابر على مجابهة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية في الشرق وفي ذروة الأذى اللاحق باقتصاده جراء نظام صارم من العقوبات والتدابير ومع اعلى درجات الحشد العدائي إقليميا تمكن من ردع العربدة والتهديد بالإرادة التحررية التي تعززها القدرات الحرة.

تحولت الغطرسة إلى مهزلة واستجداء للتفاوض بعد فترة دقيقة مشحونة بالتوتر والتصعيد وبموجات عاتية من الصراخ الاستعماري قابلها الثبات الإيراني الحازم في التمسك بالكرامة القومية وبالاستقلال التام.

اما مؤشرات القوة الإيرانية التي أثارت الذهول والتخبط في مراكز القرار الأميركية فأبرزها :

اولا التماسك الشعبي داخل إيران في وجه الاستهداف الأميركي الصهيوني والعقوبات الأميركية وهذا يعود إلى نجاح القيادة الإيرانية في تحقيق أعلى درجات التضامن الداخلي حول قضية الاستقلال ومقاومة الهيمنة وممارسة تعبئة واسعة حول خيار المقاومة والصمود بروح الكرامة القومية.

انطلق الإيرانيون موحدين في مجابهة العدوان على سيادة بلادهم وحقوقها المشروعة التي اعترف بها العالم وأسقطوا المحاولات الغربية المستمرة لشق صفوفهم ولاختراق جبهتهم الداخلية وتأليب الناس ضد القيادة التحررية وعلى امتداد سنوات طويلة وعلى مر اجيال تحققت حالة نوعية ومهمة من التضامن خلف القيادة ونهجها التحرري وتصميمها على مقارعة الاستعمار والصهيونية في المنطقة وقد اخفقت جميع المحاولات التي شهدناها للتأثير في الداخل الإيراني بفضل يقظة القيادة ووعي الشعب ودينامية التفاعل حول قضية التحرر والاستقلال لدى الرأي العام الإيراني الذي تتعدد تياراته واجتهاداته في شؤون كثيرة لكنه يبدو صفا واحدا وكتلة متماسكة حول قضية التحرر الوطني ورفض الهيمنة ومقاومة أي عدوان.

ثانيا متانة التحالفات والشراكات الإيرانية الاستراتيجية في المنطقة والعالم التي جسدتها مشاركة إيران في دعم قوى المقاومة المثابرة على استنزاف الهيمنة الاستعمارية الصهيونية والدور الإيراني في الدفاع عن سورية وفي التصدي للغزوة التكفيرية الأميركية الصهيونية لبلدان الشرق العربي وبقدر ما طور هذا النهج الإيراني من كتلة القدرات والإمكانات الحليفة في محور المقاومة الممتد من اليمن إلى لبنان مرورا بالعراق وسورية اتاح فرصة ثمينة لتطوير شراكة استراتيجية وحوار تفاعلي حقيقي بين إيران وكل من روسيا والصين وقد طورت إيران وبكل هدوء وثبات مع هذه الشراكة مجالات تعاون آسيوية نوعية اقتصادية وعسكرية في قلب آسيا الوسطى تندرج ضمن مطاردة النفوذ الاستعماري الأميركي ومحاصرته وتعاظم دور إيران في باكستان وأفغانستان وشراكتها المتنامية مع العديد من بلدان آسيا القريبة والبعيدة باتت نطاق نفوذ وقوة اقتصادية وسياسية بالشراكة مع مشاريع الطوق والحزام الصينية ومع الريادة الروسية لمجابهة الأحادية القطبية الأميركية في العالم انطلاق من الشرق ومن سورية بالذات التي هي شريكة إيران الثابتة منذ أربعين عاما في نهج المقاومة والصمود ورفض الهيمنة.

ثالثا منذ انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي راكمت القيادة الإيرانية مزيدا من المكاسب السياسية وصدعت بموقفها المبدئي والمحسوب جبهة الحلف الاستعماري فقد تمكنت من شل مراكز القرار في غرب اوروبا الخائفة من الاصطدام بواشنطن والعاجزة عن تنفيذ التزاماتها في الاتفاق بنتيجة إدارة محنكة وذكية للصراع اشتركت إيران مع روسيا والصين في رسمها وتنفيذها بإتقان ووجدت الإدارة الأميركية نفسها وحيدة في سكة التصعيد وليس إلى جانبها سوى اسرائيل وبعض الحكومات الرجعية العربية التي احتمت بالظل الأميركي وساهمت مع الكيان الصهيوني بعملية التعبئة والتحريض على الحرب وبالتالي سجلت إيران وحلفاؤها هدفا كبيرا بزعزعة الحلف الاستعماري وبتجميد وشل جناحه الأوروبي.

ويضاف إلى مزايا النهج الإيراني وحصاده المشترك مع روسيا والصين تحييد اهم دولتين إقليميتين في الحضن الأميركي وهما تركيا وباكستان بحيث باتت لهما مصالح وتشابكات اقتصادية مع الصين وروسيا وإيران تشل القدرة الأميركية على حشدهما في أي مجابهة او حرب وشكل الميدان السوري رافعة مهمة وقوية في تحقيق نتائج مجدية بشل الانخراط التركي في حلف العدوان الأميركي دون الإخلال بمبادئ التحالف مع الجمهورية العربية السورية ودعمها في حربها الوطنية ضد قوى العدوان.

إيران دولة تحررية دمرت منظومة التبعية والهيمنة الاقتصادية والسياسية والأمنية في الداخل منذ انتصار الثورة وحققت بنيانا اقتصاديا متحررا ذاتي المركز استطاعت ان تحشد من خلاله الموارد والثروات والقدرات الوطنية في معارك البناء الوطني الاستقلالي وخطت بثبات نحو امتلاك التكنولوجيا وبناء القوى الوطنية والقدرات الوطنية في ميادين الإنتاج والدفاع وحققت نتائج مبهرة بفضل الإرادة والثبات ولأنها كذلك نجحت في كشف حقيقة ان الوحش الاستعماري هو فعلا كما قال ماو “نمر من ورق ” وتحول ازاءها تنمر دونالد ترامب إلى مهزلة مخزية امام العالم كله .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى