بقلم غالب قنديل

في ذكرى القائد حافظ الأسد

غالب قنديل

تمر ذكرى غياب القائد الكبير الرئيس حافظ الأسد وسورية تسطر صفحات جديدة من مجدها القومي وخيارها التحرري في أقسى ملحمة مقاومة وصمود تسطرها وهي تراكم المزيد على ذات الطريق التحرري القومي والمقاوم بقيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد الذي استطاع بجدارة قيادة المسيرة التحررية باقتدار ونجاح في أصعب الظروف الناتجة عن اختلال التوازنات العالمية والإقليمية وأمام شراسة الغزوة الاستعمارية التي حشدت بقيادة الإمبراطورية الأميركية احلافا تجاوز عديدها عشرات الحكومات والدول وضمت سائر العملاء والتوابع في المنطقة يتقدمهم العدو الصهيوني وكما سخرت الجامعة العربية ومؤسساتها حاولت زج الأمم المتحدة في مسلسل العدوان.

لم يحدث ذلك من قبل وفي أي معركة سابقة من معارك سورية التي تحولت اليوم إلى مركز استقطاب وحشد للدول التحررية الراغبة في الانعتاق من قبضة الهيمنة الأميركية على العالم وفيها وانطلاقا من صمودها تنشأ شراكة سياسية وعسكرية واقتصادية بين دول الشرق الصاعدة تفرض تحولات متلاحقة في الواقع الدولي اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا.

ذلك الصمود العظيم والثبات المذهل في وجه الغزوة الاستعمارية الصهيونية انطلق بموقف الرئيس بشار الأسد بعد احتلال العراق وما يسمى بخيبة كولن باول ويومها كان موقف دمشق فريدا في العالم فشركاؤها الشرقيون الكبار كانت لهم مقاربات مغايرة حيث وجدت إيران شريكة سورية في محور المقاومة أن الفرصة سانحة لها في العمل على تنضيج شروط الحضور والتأثير في العراق المحتل بينما آثرت روسيا والصين محاذرة “الصدام بالثور الأميركي الهائج ” وفضلت تركه يستنفذ قوة اندفاعه قبل دخول حلبة الصراع.

لأن سورية هي القلعة القومية المقاومة التحررية وعاصمة العروبة كان الموقف التاريخي للقائد بشار الأسد الذي استكمل صمود القائد الخالد برفض الإذعان للمشيئة الاستعمارية الغربية الصهيونية في تلك اللحظة الحرجة ولم تكن مأثرته الوحيدة رفض التوقيع بل بناء مقومات الاستقلال والصمود الدفاعي واحتضان الفصائل المقاومة للهيمنة الاستعمارية الصهيونية في فلسطين ولبنان وكان القائد بشار ينفذ وصية القائد الخالد بعدم النكوص او التخاذل امام التحديات لإبقاء شعلة التحرر العربي ورفض الهيمنة عالية متوهجة مهما كانت التضحيات وهو من سنوات يشق طريق الصمود والمقاومة وسط اهوال الغزو والقوة الاستعمارية الطاحنة التي عرضت عضلاتها على حدود سورية بعد احتلال العراق.

كان القائد بشار الأسد في إدارة الصراع يجري حساباته الدقيقة مستندا إلى رصيد كبير مما أرساه وبناه القائد الخالد ومن دروس تجربته السياسية الخاصة وبما يمكن ان تستند إليه سورية من شراكات وتحالفات وخصوصا من ثمار تعزيز قدرات المقاومة التي دعمتها سورية منذ ولادتها حتى تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة وبدعم لاحدود له لفصائل المقاومة الفلسطينية وكذلك باحتضان سورية للمقاومة العراقية الوليدة وكان التحالف مع إيران والشراكة مع روسيا والصين يخطوان ويتطوران بتصميم سوري وفي حدود استعداد هؤلاء الشركاء الاستراتيجيين وقدراتهم المتاحة في العمل على دحر الهيمنة الأميركية وتحدي الغطرسة الاستعمارية.

سورية تصمد اليوم وتطور معادلات جديدة بفضل تحولين استراتيجيين صنعهما القائد الخالد في الصراع العربي الصهيوني هما امتلاك تكنولوجيا صناعة الصواريخ كأداة دفاعية رادعة للكيان الصهيوني وتطوير قدرات حركات المقاومة وبناء حلف المقاومة مع إيران لتحقيق حالة استنزاف لقدرات العدو تؤسس لتحول في التوازنات وها هي اسرائيل اليوم مردوعة واجفة تهرب إلى خلف الجدران وتخشى صواريخ سورية وقوى المقاومة ناهيك عن إيران في أي حرب قادمة.

الرصيد الذي خلفه القائد الخالد اقتصاديا وسياسيا ودفاعيا كان عظيما وقد صمدت سورية ضد العدوان والحصار بفضله كدولة غير مديونة ونامية في جميع المجالات الصناعية والزراعية وكدولة صلبة بهويتها العربية مستقلة البنيان ونابذة للعملاء كما تبين بالنتيجة في أعتى فصول الحرب الاستعمارية وقد تمكنت سورية برصيد الصداقات والتحالفات التي أرساها القائد الخالد ان تصمد وتطور مقاومة عالمية وإقليمية للهيمنة الأميركية مع شركائها الذين بنى القائد الخالد معهم قواعد صداقة وتحالف متينة في أصعب الظروف ومنذ عقود طويلة ولم يهزها اختلال التوازنات فحافظ الأسد كان صارما في رفضه للتلون الانتهازي ولكل تخاذل بسبب التهديد الغربي ولم يأبه يوما لغضب المستعمرين واحقادهم بل فرض عليهم تعاملا نديا في الشكل والمضمون.

المشروع التاريخي التحرري للقائد الخالد يتجسد اليوم في كل ما تحققه سورية في مجابهة الغزوة الاستعمارية الصهيونية المباشرة وبالوكالة والمستقبل القادم الذي يستشرفه القائد بشار بالتوجه شرقا مبني على حاصل شراكات نسجها القائد الخالد بدقة وإتقان وبنتيجة مخاض طويل من المحاولات التي بذلها لمنح الفرص وإتاحتها امام الغرب الأوروبي الذي انكشفت تبعيته الذيلية للمركز الأميركي المهيمن بعد احتلال العراق وتحولت إلى فضيحة مع انطلاق العدوان على سورية وهو ما ادركه القائد بشار مبكرا بكل عمق ووضوح وتنبه له فكانت خطواته الواثقة لسد منافذ الاختراق والمساومة ولفرض تماسك الدولة الوطنية على إرادة الاستقلال التي حماها القائد الخالد وتمسك بها حتى نفسه الأخير.

مسيرة القائد الخالد مستمرة وإرثه العظيم يتجدد بإرادة التحرر الوطني والاستقلال في طريق صمودها العظيم الذي يستلهمه الأحرار بين المحيط والخليج وستثبت الأعوام القادمة صحة النبوءة التي تقول إن دمشق هي مركز الوطن العربي وقلب العروبة النابض فهي اليوم عاصمة العروبة والتحرر ومنها تنهض الإرادة القومية وتتبلور في رحمها فكرة التحرر القومي لكل العرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى