بقلم غالب قنديل

الحرية للمقاوم ميشال سماحة

غالب قنديل

جوهر القضية التي حكم فيها بسجن الوزير السابق ميشال سماحة هو نقل متفجرات نسبوا إليه انه كان يريد تنظيم استعمالها في هجمات تستهدف معابر مرور المسلحين والسلاح بين سورية ولبنان وبعض الأوكار والمقرات التي أقامتها شبكات وتنظيمات شبه عسكرية متعددة الجنسيات على أرض لبنان.

تم اعتقال ميشال سماحة في آب 2012 يوم كانت في ذروتها عمليات التضليل والترويج لما يسمى بالثورة في سورية رغم إعلان وزير الدفاع فايز غصن قبل بضعة أشهر من اعتقال سماحة عن وجود محاربي القاعدة في جرود عرسال وكان فريق فيلتمان اللبناني يومها يريد جعل لبنان قاعدة انطلاق للجماعات التي قاتلت ضد الجيش العربي السوري وقد أقيمت في لبنان غرف عمليات امنية ولوجستية وإعلامية شاركت في خدمة تلك الحرب العالمية التي قادتها الإمبراطورية الأميركية وحشدت فيها جميع الحكومات التابعة والقوى العميلة من المنطقة والعالم وفي حينه تلبس تيار المستقبل معاطف الثورة والثوار وأطلق حليفه رئيس حزب القوات سمير جعجع شعار “فليحكم الأخوان” بينما نشرت تقارير في الصحف الأجنبية عن اتصالات جرت بين اكثر من جهة لبنانية وفرع القاعدة في سورية “جبهة النصرة“.

تكشفت الوقائع في هذه السنوات عن حقيقة كان ميشال سماحة في طليعة من كشفوها مبكرا واعلنوا عنها للرأي العام في إطار الدعوة لمنع ارتدادها الخطير على لبنان وهي ان تلك الجماعات الثورية المزعومة كانت فصائل متفرعة عن القاعدة وعصابة الأخوان وقد تبينت بالوقائع صحة مواقف ميشال سماحة المبكرة والمتقدمة بعد سنوات من احاديث وتصريحات عديدة ادلى بها تضمنت معلومات موثقة عن التخطيط الأميركي الاطلسي الخليجي التركي والصهيوني لتدمير سورية بالإرهاب القاعدي وبشبكات الأخوان المسلمين وبرهنت الأحداث على صحة تحذيرات سماحة وأكدت وعيه الدقيق لحقيقة ما يجري في سورية ولمخاطر انفجار الخطر الإرهابي التكفيري في لبنان.

كذلك تبين بالنتيجة وبعد سبع سنوات ان القوى السياسية اللبنانية التي قدمت التسهيلات الحكومية والحزبية لأنشطة الجماعات المسلحة عبر الحدود وساهمت في توريط آلاف اللبنانيين بالعمل معها وفي صفوفها هي كما كشف ميشال سماحة منذ البداية مشاركة في هذا المخطط تلبية لأوامر اميركية سعودية قطرية وهذا التورط يشمل اطرافا سياسية مشاركة في السلطة استخدمت اجهزة امنية وسخرتها في اعمال تدريب وانتقال وحماية كما نقلت عشرات التقارير الصحافية المنشورة في الغرب وفضائح نقليات بواخر مرفأ طرابلس.

ما هو جوهر القضية ضد ميشال سماحة غير اتهامه بالعمل لتنظيم هجمات غايتها تعطيل معابر انتقال السلاح والمسلحين واستهداف اوكار تدريب ومستودعات أقيمت في لبنان لحساب شبكات إرهابية عميلة تبين بالتجربة انها استهدفت لبنان وجعلته مقرا ولم تقتصر على العبور فيه ومنه إلى سورية وكانت تهدد جميع اللبنانيين وهو خطر حذر منه ميشال سماحة في وقت كان الجيش مكبلا بموقف حكومي مشلول وبوجود رئيس للجمهورية انقلب على التوازنات التي حملته إلى بعبدا وغدا أقرب إلى حلف العدوان على سورية بينما رئيس الحكومة وفريقه وحلفه السياسي قدموا الحماية والتغطيات لعصابات الإرهاب ومارسوا التحريض المذهبي والسياسي في تسعير تلك لحرب وفي توريط آلاف الشباب اللبنانيين وتجنيدهم.

لأن حاصل القرار السياسي للسلطة كبل الجيش ومنعه عن القيام بواجبه كان من الطبيعي ان تظهر مبادرات وطنية وشعبية مشروعة لمقاومة الإرهاب فتتصدى للخطر الوجودي القادم وتلك هي المرجعية الشرعية لتحرك حزب الله إلى سورية وفي اكثر من منطقة لبنانية دفاعا عن امن البلد وهو الإطار القانوني والدستوري المبدئي والوطني لمشروعية ما قام به ميشال سماحة وحاولوا تشويهه وضرب مصداقيته السياسية بشكل ثأري لاأخلاقي ومقصود.

مقاومة لبنانية أخرى ضد الإرهاب الذي يهدد البلد ؟ يفكر فيها ويبادر إليها سياسي مقاوم من حلف 8 آذار وصديق لسورية ومسيحي أيضا ؟ تلك هي المشكلة الفعلية التي أردوا التخلص منها.

لقد استمعنا بعد اعتقال ميشال سماحة إلى انتقادات واعتراضات كثيرة من مواقع صديقة وحليفة لكن جميعها تركز على السؤال عن الخلل في تقنيات النقل والانتقال والارتجال في التنفيذ وعدم التنسيق مع جهات اخرى معنية بينها المقاومة لكن احدا لم يعترض على مبدأ التخطيط لاستهداف المعابر والقواعد المعتمدة من قبل عصابات العملاء والمرتزقة وهنا بيت القصيد الأصلي وقد تنكر العديد من الأصدقاء السابقين لميشال سماحة في موجة رهاب وتخاذل امام شراسة الجهة التي كان فيها الخصم والحكم بفعل مواقعها ونفوذها في السلطة وهو واقع لم يبدأ بالتحول فعليا سوى مع انتخاب الرئيس العماد ميشال عون وظهورملامح التغيير في توازنات الميدان السوري.

إن مبدأ الخصومة السياسية المتراكمة قبل سنوات طويلة بين سماحة والحزب الحاكم الذي امسك بوزارتي الداخلية والعدلية وبالقيادة الأمنية في مرحلتي التحقيق والمحاكمة يجيز الشك والطعن بالاتهام وبالحكم والظن بالتحيز السياسي في تكوين ملفي الخصومة والمحاكمة.

ما يعزز هذا الاعتقاد هو موضوع الشاهد المزعوم ميلاد الكفوري الذي أعفي من الشراكة في التهمة بذريعة أقبح من الجرم المزعوم وهي انه كان مدسوسا امنيا على سماحة للإيقاع به متلبسا وهذا في عرف بعض الخبراء يبطل الاتهام من أصله بقرينة الاستدراج إلى الجرم من قبل جهة عدلية مسؤولة عن الأمن.

إن المفتاح الفعلي قانونيا وعمليا ومعلوماتيا في جلاء هذه القضية يستدعي التحقيق في ملف إخفاء الكفوري وحجبه عن المحاكمة والكشف عن مكانه واحضاره إلى محاكمة جديدة امام ميشال سماحة وملاحقة المتورطين في هذه القطبة المخفية … بكل صراحة إن ميشال سماحة يستحق الإنصاف بدلا من الإدانة والتكريم بدلا من السجن وهذا موقف واستنتاج منطقي وليس انفعالا اتجاه صديق عرفناه مخلصا لأفكاره وفيا لأصدقائه وكان شجاعا في تحمل العبء منفردا مقدرا حرج الأصدقاء ودقة ظروفهم التي منعت عليهم ان يكونوا إلى جانبه وهو يتحمل مع عائلته بكل شجاعة وصبر تبعات الظلم والنكران.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى