بقلم غالب قنديل

عولمة الشراكة الصينية فرصة تاريخية للعرب

غالب قنديل

تشق الصين طرقها الى امتلاك قوة عالمية بمنهجية جديدة لم يعرفها العالم المعاصر وتتحول مؤتمراتها الدولية المنعقدة تحت عنوان الطريق والحزام الى منبر عالمي لتقديم رؤية صينية نوعية لمستقبل العالم المحرر من الهيمنة الاستعمارية وبناء شراكات ندية ومتكافئة بين الدول والشعوب تقوم على تكافؤ المصالح الراهنة والمستقبلية .

بخلاف الغرب الصناعي الاستعماري لا تملي الصين نموذجها الخاص ولا تفرص الإذعان على احد وتقيم جميع علاقاتها على مبدأ احترام الهوية الوطنية والأولويات الوطنية والخيارات الوطنية لشركائها وهي تقدم بذلك نموذجا متطورا لعولمة الشراكة على النقيض من عولمة الهيمنة التي حملها الغرب وسعى وما يزال يسعى الى فرضها بالقوة على العالم.

ان استثمار الصين لفائض قوتها الاقتصادية والتقنية في الشراكة مع الدول والشعوب الاخرى يوفر فرصا جدية وتاريخية للأمم الساعية الى التحرر والتقدم واكتساب التكنولوجيا في ظل الاستقلال والسيادة.

وبقدر ما يقدم تطور القوة العسكرية الروسية فرصة لمعسكر مناهضي الهيمنة في تطوير مقدرات الدفاع الوطني والتصدي لقوى العدوان الاستعماري ولجميع حروب الغزو والاستنزاف الهادفة الى كسر ارادة الشعوب واخضاعها فان القوة الصينية الصاعدة تدعم خيار الاستقلال والتحرر والتنمية الوطنية اقتصاديا واجتماعيا وهذه وصفة للتحرر الوطني لبلادنا العربية تستدعي التحرر من الاستعمار لالتقاطها كفرصة تاريخية لبناء وامتلاك قدرات عملاقة.

هذه الرؤية هي لب ما تختبره سورية شريكة الصين وروسيا وايران في مسيرة دحر الغزو الاستعماري والنضال لتحرير العالم من الهيمنة.

سخر الغرب الاستعماري تفوقه العسكري والاقتصادي والتقني لخوض حروب الغزو والاخضاع ضد الشعوب وحركات التحرر ليواصل نهب الثروات والسيطرة على الاسواق وطور من ادوات هيمنته الخشنة والناعمة عبر قواه الحربية ومن خلال المؤسسات السياسية والمالية والاقتصادية العالمية وعبر امبراطوريات اعلامية ضخمة ومهيمنة.

جميع تلك الأدوات سخرت قدراتها في تعميم الخضوع لقوى الهيمنة وعملائها وروجت للاستعمار الغربي وهيمنته كطريق لا بديل عنه للتقدم واللحاق بركب الحضارة الانسانية وقد نسجوا لفكرة التطور والتقدم نماذج ممسوخة ومشوهة فاقدة للخصائص الوطنية وخاضعة للكيان الصهيوني قاعدة الغرب المستعمر في قلب امتنا.

وهكذا تم تكريس الخضوع المذل عبر استلاب فكري وثقافي يخدم تقسيم العمل العالمي الذي يوزع الشعوب والأمم على ضفتي احتكار المعرفة واستيراد نتفها الممسوخة مع سلع الاستهلاك المعولمة وبما يضمن تأبيد الهيمنة وادامتها على جميع الصعد.

يقترن النهب الاستعماري لوطننا العربي بسلب كرامتنا القومية بصورة سافرة من خلال فرض الاذعان للعدو الصهيوني والخضوع الدوني لكونه مركز منظومة الهيمنة التي يتصدرها الاميركي البشع مع شركائه وملحقاته الاوروبية وعملائه العرب.

تقدم لنا الصين بالمقابل نموذجا جديدا في احترام المصالح الوطنية لشركائها كما ترعى نموذجا للتكافؤ في شراكاتها من خلال مبادرة الحزام والطريق التي تتقدم عبر سلة متنوعة من الخيارات ومن صيغ الشراكة في التنمية بلا شروط مسبقة بينما تضع هذه الدولة العظمى ثقلها الاقتصادي وتقدمها التكنولوجي في تصرف شركائها خصوصا من الدول التحررية المستقلة المناهضة للهيمنة.

ان هذه المنهجية توفر على شعوب العالم وسائر البشرية مشقة كبيرة في تلمس دروبها المنفردة الى التقدم لتخوض ثوراتها الصناعية الوطنية فالمؤازرة الصينية بنقل التكنولوجيا والخبرات الحديثة وتوطينها الى جانب تعزيز فرص التمويل والاستثمار المشترك وهي تعني اختصار الكثير من الزمن الضروري وتوفير الكثير من الجهود المطلوبة للتقدم العلمي والتقني والبدء من نقطة انطلاق متقدمة في البناء الاقتصادي والاستقلال الوطني لتحقيق التنمية مع امتلاك التكنولوجيا بتدريب وتأهيل الكفاءات الوطنية.

عندما تطارد الامبريالية الاميركية بالحصار وبالعقوبات هذا النموذج الصيني والشرقي الجديد لعولمة تقدمية شعبية فهي تريد الدفاع عن منظومة النهب الاستعماري التي تتربع عليها وتخشى اهتزازها تحت وطأة مبادرات الصين وروسيا وايران من أجل عالم جديد وفي هذا الصراع لسنا مبدئيا محايدين كعرب والحكومات العربية التابعة الملتحقة بالأحلاف الاستعمارية تريد اعدام فرص التقدم والتنمية والتطور امام بلادنا وتعميم خضوعها للحلف الاستعماري الصهيوني وهي تسعى لتقديم ذلك بوقاحة على انه افضل الممكن لتفرض التعمية على الخيار الجديد الذي يمكن عن طريقه صنع المستقبل الواعد للوطن العربي بالتحرر والمقاومة والوحدة واطلاق مسيرة التنمية والاستقلال اللذين يتيحان وثبة حضارية كبرى في تاريخ أمة يراد لها أن تستكين ذليلة أمام أخطبوط العدوان والنهب منزوعة الكرامة مسلوبة الارادة.

تبرهن الوقائع الموضوعية على ان مفهوم “التوجه شرقا” الذي بلوره القائد العربي المقاوم الرئيس بشار الأسد هو الطريق الفعلي الى الاستقلال والتحرر والتنمية وهو ما يجب ان تنعقد حوله المبادرات الفكرية والثقافية للمساهمة في اطلاق حركة تحرر وطني جديدة في البلاد العربية لن تنطلق مسيرتها من سلسلة الاصفار المتوارثة بل من موقع تاريخي وحضاري متقدم عتبته الحقيقية وركيزته الصلبة هي ما حققه صمود سورية وكفاحها المشترك مع فصائل المقاومة العربية ومع محورها الاقليمي والعالمي الذي يضم الصين وروسيا وايران وحزب الله وسائر قوى المقاومة العربية في لبنان والعراق واليمن فسورية العربية هي قلعة النضال ضد الغزوة الاستعمارية الصهيونية الرجعية وما فرضه صمودها من توازنات جديدة تحصن المسار التحرري الذي يقوده المقاومون والاحرار يمكن به التأسيس لالتقاط فرص النهوض القومي وبناء المستقبل المشرق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى