بقلم غالب قنديل

إيران وسورية ومبادرات الهجوم الدفاعي

 

غالب قنديل

قالت التقارير الصحافية إنه عند إعلان خبر زيارة الرئيس بشار الأسد لطهران كان قد عاد إلى مقره في دمشق ليستقبل موفدا روسيا خاصا يحمل رسالة من الرئيس فلاديمير بوتين وقد توقع مراقبون ان يكون الرئيس بشار الأسد أبلغ الموفد بحصيلة زيارته لطهران إضافة لتنسيق مباشر في جدولة الخطوات المشتركة اللاحقة وما يقتضيه الأمر من مساهمة روسية سياسية وميدانية.

قاد الرئيس بشار الأسد خطوط التواصل مع حليفيه الكبيرين إيران وروسيا بتكتم شديد ولم تكن المشاورات التي جرت في اجتماع القائد الأسد بالمرشد السيد الخامنئي والرئيس روحاني او الرسالة التي وجهها إلى الرئيس بوتين بواسطة موفده محصورة بمسائل يومية فقط كما توقعت بعض وسائل الإعلام مثل ازمة الوقود أو حتى كيفية المساعدة في تفكيك منظومة العقوبات والتدابير التي اتخذها الأسطول الحربي الأميركي والضغوط التي مارستها الدبلوماسية الأميركية لتضييق الخناق على سورية بما يشمل الحكومة المصرية التي كانت تعلن انحيازها إلى سورية وتضامنها معها ثم سدت قناة السويس في وجه البواخر المتجهة صوب الساحل السوري.

إن المشاورات على مستوى القيادة العليا لمحور المقاومة كانت خلال أربعين عاما مكرسة لتخطيط المواجهات الكبرى التي خاضتها طهران ودمشق ضد الحلف الاستعماري الصهيوني وعملائه في المنطقة وهي واكبت وخططت لمبادرات وتحولات في توازن القوى لصالح محور المقاومة بجميع قواه وفي سائر ميادين الصراع وكذلك توسعت قنوات الاتصال المفتوحة داخل المثلث السوري الإيراني الروسي منذ العام 2015 الذي شهد التطور الحاسم في الشراكة الميدانية بين الحلفاء الثلاثة في معركة التصدي لحروب الهيمنة الأميركية المباشرة وبالوكالة.

اليوم تقدم الأحداث الجارية بعضا من المفاتيح لفهم ما جرى تداوله بين الشركاء في طهران ودمشق وموسكو عبر قراءة النتائج فقد شهدنا إثر تحرك القائد الأسد تنسيقا سوريا عراقيا أشد فاعلية كما أعلن عن عمليات مشتركة على الحدود ثم تحركت في الأيام الماضية مبادرات قتالية هجومية اتخذها الجيش العربي السوري في ريفي اللاذقية وحماه المرتبطين بجبهات إدلب التي تحتلها فلول القاعدة المدعومة من تركيا بعد تعليق متواصل للالتزام التركي باتفاق سوتشي الذي اعتبر معاهدة حملت توقيعي الرئيسين بوتين وأردوغان وكانت المساهمة الروسية المعلنة في تحرير المواقع الجديدة بمثابة النذير بالضرب على الطاولة في وجه المماطلة والابتزاز التركي الممتد.

في توقيت العمليات السورية الهجومية والحساسة اطلقت إيران مبادرة هجومية في وجه المماطلة الأوروبية المتعلقة بتنفيذ الاتفاق النووي بعد انسحاب ترامب وانقلابه عليه وبعدما نظمت إيران حملة ردع ميدانية استباقية في وجه الحشد الحربي الأميركي ثم انذرت الغرب ستين يوما برزمة إجراءات جديدة ورادعة تتصل بحقوقها النووية.

محور المقاومة يبادر وينتقل إلى الهجوم الدفاعي على اخطر جبهتين للصراع ضد الهيمنة الأميركية ويرفع التحدي مسقطا هوامش التعايش مع الرمادية التركية والأوروبية بالتنسيق المباشر مع روسيا والصين القوتين الشرقيتين الشريكتين والحليفتين في التصدي للهيمنة الأميركية على العالم.

اليوم تتكسر خطوط الاستنزاف وتفرض سورية وإيران وحلفاؤهما إيقاعا جديدا لحركة الصراع في المنطقة والعالم برفض التعايش مع حلقة استنزاف يراهن المخططون الأميركيون عبرها على تآكل إنجازات المحور والنيل من قدراته ومن قوته الدفاعية الهائلة التي أفشلت خطط واشنطن وحلفائها.

المبادرات الهجومية تحرك المستنقع وتحصن الإنجازات وتمنع الركون إلى واقع الحروب غير المنتهية الذي أرادت به الولايات المتحدة تجويف الإنجازات من محتواها وممارسة ابتزاز سياسي لفرض التنازلات على إيران وسورية ومعهما روسيا والصين.

سوف يتقرر مصير هذه المعركة ومآلها في ضوء النتائج وحين يبادر قادة محور المقاومة بالشراكة مع روسيا والصين فهم يضعون القيادة التركية امام الاختبار الأصعب منذ معارك تحرير حلب والغوطة بينما تواجه واشنطن ومعها باريس ولندن وبرلين تحديات كبرى ومعقدة في التعامل مع القواعد الإيرانية الجديدة للصراع حول الاتفاق النووي وسيرسم الرابحون في الجبهتين معالم الوضع الجديد ومعادلات فصول الصراع القادمة من أجل عام جديد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى