بقلم غالب قنديل

يحرقون البلد ولا يتنازلون ؟!

غالب قنديل

عقلية المقامر والمضارب والسمسار والمرابي هي النموذج الطاغي على أرباب الرساميل اللبنانية التابعة للاستعمار الغربي وقد كتب الكثير كما قيل الكثير عالميا عن مفهوم الربح السريع وعن ألاعيب التنفع الريعي وهذه الحقيقة ادخلت لبنان في متاهة الحرب الأهلية عام 1975 ولكن النظام البائس تعنت وتحصن بالبطش والقوة وذهب إلى الحرب الأهلية والمذابح الطائفية بدعم مباشر من دول الغرب الاستعماري ومن إسرائيل والحكومات العربية التابعة كما تبين لاحقا في العديد من الوثائق والأرشيفات التي كشفت خفايا الحرب ووثقت فصولها وما شهدته من تدخلات ومساهمات دولية وإقليمية في إشعال الحرائق وإسالة الدماء.

الردود التي تبعت نداء قائد المقاومة السيد حسن نصرالله إلى مالكي المصارف تذكرنا بتلك الموجة العنفية المشحونة جلافة وقسوة في رفض التجاوب مع المطالب الشعبية المتواضعة في السبيعينات ومع الدعوات الإصلاحية الخجولة التي انطلقت مع انتفاضة صيدا المغدورة بجريمة اغتيال القائد الشهيد معروف سعد التي ما تزال لغزا مقفلا إلى اليوم.

كشفت الأحداث لمن يتمعن في الحقائق ان جل ما جرى يومها كان تخطيطا اميركيا صهيونيا لتدمير لبنان ولاختبار وصفة لإشعال النار وتصنيع الحروب الأهلية بهدف قطع الطريق على تجذر فكرة المقاومة والتحرر من السيطرة الاستعمارية الصهيونية في الشرق العربي.

مقارنة بالدمار والخراب الذي حل بلبنان خلال العقود الماضية وبكلفته الباهظة فإن الإصلاحات التي قبلها الجميع ورضخت لها القوى التي كانت مسيطرة على الاقتصاد وعلى السلطة السياسية وما حل بتلك القوى ومصالحها من الكوارث تخطت ما كان مطلوبا غداة اشتعال الحرب لاحتواء الأزمة وكانت كلفة التجاوب أقل بكثير من الثمن الذي دفع فعليا من رصيد وموقع ومكانة تلك القوى التي غامرت بإحراق البلد عندما رفضت التصرف بواقعية.

نصيحة السيد نصرالله لمالكي المصارف تكشف حرصا جديا على القطاع المصرفي وليس دافعها الكراهية كما يزعم بعض المتزلفين التافهين بل هي الدليل على حرص واضح على مستقبل لبنان ومصارفه وهو أمر ظاهر في لغة خطاب سماحة السيد ومضمون ندائه.

لم يطالب سماحة السيد نصرالله بتأميم المصارف ولم يطرح محاسبتها على كل قرش قبضته من الخزينة بفوائد ربوية غير مشروعة على سندات الخزينة في التسعينيات وهذا معروف ولم يطالب السيد بالتحقيق في أي من ملفات التلاعب المصرفي التي ادت إلى هيمنة جهات معينة على المصارف وادت إلى تصفية بعض البنوك ظلما وعدوانا وثمة من يتهم المصرف المركزي بالتواطؤ ولم يطلب قائد المقاومة التحقيق في هندسات مصرف لبنان التي يشكك كثيرون في خدمتها للصالح العام بينما يحكى عن مستفيدين ولم يثر سماحة السيد أي سؤال عن المعلومات المتعلقة بالمقاومة وجمهورها والتي قدمها عدد من أرباب المصارف وتبرعوا بها للولايات المتحدة في سياق تشديد العقوبات المفروضة لمصلحة إسرائيل اولا.

لقد كتم سماحة السيد أسئلة كثيرة يثيرها خبراء ماليون وسياسيون فلم يسأل عن انصياع مصرف لبنان والقطاع المصرفي للعقوبات الأميركية التي تستهدف الودائع السورية المقدرة بالمليارات وهو لم يسأل عن دور المصرف المركزي والبنوك اللبنانية في تخطيط منظومة العقوبات الأميركية ضد إيران وسورية وحزب الله وحركات المقاومة.

التعنت ورفض التسليم بأي تنازل عن مكاسب الطغمة المالية يعمي العيون ويحرك خطبا وتصريحات ومقالات عدائية وثمة من يومي إلى خيوط خفية حركت فكرة بث الإضرابات في صفوف موظفي المصارف وحتى في مصرف لبنان لاعتراض مناقشات الموازنة الجارية في مجلس الوزراء ولوضعها تحت سقف ضغوط مادية ومعنوية لمنع المس بأرباح وامتيازات فاحشة تحت عنوان توزيع كلفة الخروج من المأزق.

المشكلة ان ينسب ذلك التحريض والتحريك إلى موظفين عينتهم السلطة السياسية في المصرف المركزي الذي لايحق لطاقمه القيادي الانحياز إلى أي فريق داخل القطاع أوخارجه فالقانون يفترض بالمصرف المركزي ضبط أداء وتنظيم عمل القطاع المصرفي بما يحقق التوازن الذي يلبي المصالح الإجمالية للدولة وللاقتصاد الوطني بدلا من التحزب القطاعي لبعض مالكي المصارف على حساب القطاعات الاقتصادية الباقية الذاهبة إلى خراب متواصل ومقصود منذ أكثر من ربع قرن والمصرف المركزي مبدئيا هو مؤسسة وطنية سيادية مسؤولة عن حماية السيادة الوطنية في أسواق المال وهو ما يملي عليها مقاومة الاستعمار الأميركي المجسد بالعقوبات والضغوط التي تستهدف ضرب المناعات الوطنية كافة.

على جميع القادة المصرفيين وجوقة “السحيجة” من مرتزقة الكتابة بالقطعة وبالفاتورة ان يدركوا انه لولا حماية المقاومة للبلد لماتت المصارف ولاختنقت من زمن بعيد بحبائل خسائرها ومضارباتها وان البلد الذي يحتاج ازدهارا اقتصاديا وماليا يناسب مصالحهم لا مجال لضمان استقراره من دون تلك القوة الدفاعية الحارسة للوطن وان الهيمنة الأميركية التي يستقوون بها خططت لإخضاعهم إلى مركزية سيطرة بيوت المال التي يقودها وجهاء العائلات الصهيونية من تل أبيب وتحويلهم إلى عبيد عندها بدلا من كل ما يرفلون به من بطر وبذخ ما كانوا يحلمون به جميعا لولا ان البلد محمي بأرواح ودماء سيجته ضد العدوان الصهيوني وحمته من التهديد التكفيري.

السؤال الذي يجب ان يجيب عليه اهل السلطة وأرباب المصارف وسائر جوقات الطبل والزمر في لبنان ماذا ستفعلون لو انفجر الغاضبون في الشوارع ؟ فهل ستزجون الجيش مرة اخرى في اتون معارك الدفاع عن مصالحكم وامتيازاتكم ام ستحركون اوتار التناحر الطائفي كما فعلتم سابقا؟

أليس الأفضل والأقل كلفة هو الاستماع إلى نصيحة تنم عن حكمة وبعد نظر اطلقها قائد المقاومة التي تحمي لبنان وتحرس الكرامة الوطنية لجميع اللبنانيين ؟ بمن فيهم كارهوهذه المقاومة والمتآمرون عليها بالمشيئة الأميركية الصهيونية الذين ما كانوا لولاها يساوون شيئا عند جميع مشغليهم .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى