بقلم غالب قنديل

خطة الحرب غير المنتهية في سورية

غالب قنديل

يمكن حشد العديد من العوامل والأهداف في تفسير قرار دونالد ترامب المتبني لضم الجولان المحتل ولكن الأمر الأكيد هو ان في التوقيت إشارة حاسمة إلى مستقبل مسدود للعلاقات السورية الأميركية التي تصور الكثيرون انها قد تستعاد في حصيلة الاعتراف الأميركي بالفشل بعد غزوة استعمارية طويلة قادتها الإمبراطورية الأميركية بالشراكة مع الكيان الصهيوني والحكومات العربية التابعة وهو ما هيمن على الكثير من التحليلات المحكومة بتوقع التسويات الافتراضية كمآل للصراع الدامي على مستقبل الشرق العربي قياسا إلى فصول الحرب الباردة السابقة.

الدولة الوطنية السورية التي قاتلت وصمدت في وجه العدوان الاستعماري مصنفة على الأجندة الأميركية الصهيونية في خانة العدو رقم واحد والغاية من كل ما يدور هي تكبيلها واستنزافها ومنعها من إنجاز انتصارها الحاسم وهي الدولة الاستقلالية الحرة التي عمقت تحالفاتها داخل محور المقاومة وطورت علاقاتها بالحلف العالمي المناهض للهيمنة الأميركية وهي واقعيا مركز الصراع بين المحورين دوليا وإقليميا : محور الهيمنة ومحور التحرر والاستقلال إذا أردنا اختصار المشهد العالمي بكلمات.

رغم الضجيج المعترض على قرار ترامب الأخير تتراصف خلف الأميركي دول غرب اوروبا التي تشترك وحداتها العسكرية في احتلال الشرق السوري إلى جانب ما تبقى من وحدات أميركية والغاية تعطيل المبادرات السورية المحتملة لتحرير تلك المناطق وتأخيرها لتدعيم الامر الواقع الذي تفرضه المجموعات الكردية التابعة على الأرض وهو واقع يمنع الدولة الوطنية السورية من استرداد موارد نفطية مهمة ومن استكمال بسط السيادة السورية وهذا الوجود الغربي العسكري الاحتلالي ليس بعيدا عن التناغم الفعلي مع التهديدات التركية بالاجتياح وكلاهما يتقصد إرباك القرار السوري وتعقيد الحسابات العسكرية والسياسية للمعركة على القيادة السورية وحلفائها.

في ذات الوقت وبذات القصد يواصل رجب طيب أردوغان لعبة المراوغة والتحايل في إدلب بعيدا عن تطبيق التزاماته في اتفاق سوتشي الموقع بينه وبين الرئيس فلاديمير بوتين وحيث التجمع الإرهابي الضخم الذي يحظى بخطوط إمداد تركية واضحة ومنظورة.

لا ينفصل كل ذلك عن اطماع تركية سافرة ومعلنة في الأرض السورية ولا عن محاولات اميركية غربية وتركية تعمل في ذات الاتجاه للتأثير على معادلات المستقبل السياسي السوري من خلال عرقلة الغرب مجتمعا للمبادرة الروسية لعودة النازحين السوريين من الدول المجاورة وعبر محاولات لم تهدأ منذ انطلاق حوارات الحل السياسي لفرض تشكيلات ورموز من عملاء الغرب وصنائع الاستخبارات الأميركية والأوروبية والتركية وحجز مواقع لهم في التوازن السياسي السوري بالابتزاز والضغوط. ورغم الاشتباك السياسي والتباين يتكامل الموقفان الأميركي والتركي في منع اكتمال مشهد الانتصار السوري على العدوان الاستعماري وعبر إطالة امد الاستنزاف السياسي والعسكري والاقتصادي وتقطيع اوصال الجغرافية السورية .

إلى جانب ما تقدم ظهرت بقوة في الأشهر القليلة الماضية وجهة الاستنزاف المستمر انطلاقا من رقعتي إدلب والشرق من خلال حركة الجماعات الإرهابية والعميلة وعبر جيوب داعش والنصرة المحمية بينما تصاعدت حدة الحصار والضغط الاقتصادي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد سورية وهو ما تسبب بمفاقمة المعاناة الشعبية في المناطق السورية المحررة التي توازي اكثر من ثلثي مساحة البلاد.

تظهر القيادة السورية تصميما على كسب المعركة ضد الحصار الذي بلغ درجة مطاردة البواخر القادمة إلى الموانيء السورية بالقطع الحربية الأميركية لعرقلتها وتأخير وصولها بينما مارست واشنطن ضغوطا سياسية شديدة على القاهرة لعرقلة عبور البضائع والمحروقات المتجهة إلى سورية في قناة السويس وكان لتلك الخطوات تأثير كبير في التسبب بالأزمة التي عانت منها سورية مؤخرا.

ولأن العراق يمثل للاقتصاد السوري متنفسا حيويا كبيرا انصبت الضغوط الأميركية على بغداد لعرقلة فتح المعابر الحدودية وهي الحاجة الضرورية للبلدين التي يعترضها الوجود الداعشي والأميركي على مقلبي الحدود في العراق وسورية على السواء.

الحروب غير المنتهية تمنع على محور المقاومة والاستقلال استكمال انتصاراته وتتويجها وتتيح للإمبراطورية الأميركية قيادة استنزاف طويل عسكري وسياسي واقتصادي وهذا ما يرفع من كلفة الانتظار السوري لنضج حسابات الحلفاء وتوقيت ساعة الانتقال إلى الهجوم على الجبهة التي ستعطى الأولوية في خطة محور المقاومة والحليف الروسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى